ممر اقتصادي جديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، ثمرة تحركات عدة دول هي أميركا والسعودية والهند والإمارات، وأخرى أوروبية، اتفقت على شراكة تاريخية تهدف إلى دعم البنية التحتية العالمية والاستثمار، لكنها تضع علامات استفهام على مستقبل مشروع “الحزام والطريق” الصيني.
هدف المشروع هو “تنمية اقتصادية عالمية عبر تعزيز التواصل بين الدول الفاعلة”، لكن خبراء يرون فيه تحركا لمجابهة مشروع الحزام والطريق الصيني، في حين ترى بعض الأصوات من الخليج أنه “مكمل” وليس منافسا.
ويقول البيت الأبيض، في بيان، إن هذا “الممر التاريخي”، سيُدخل الدول القائمة عليه “في عصر جديد من الاتصال” من خلال السكك الحديدية، المرتبطة عبر الموانئ التي تربط أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
فالولايات المتحدة وشركاؤها مصرون على ربط القارتين بمراكز تجارية، لأن هذا شرط أساسي لتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة، ومد كابلات تحت البحر وربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات لتوسيع نطاق الوصول الموثوق إلى الكهرباء.
كما أن من شان هذا الممر أن يدعم ابتكارات تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة، وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والمستقر.
وعبر الممر، “ستنتعش التجارة والتصنيع الحاليين، ويتعزز الأمن الغذائي وسلاسل التوريد. وسيطلق العنان لاستثمارات جديدة”، وفق ما يقول بيان البيت الأبيض.
“عصر عالمي جديد” من الاتصال الاقتصادي؟
الرئيس الأميركي، جو بايدن، اعتبره فعلا “عصر تواصل جديدا”، لكن خبراء يرون أنه تحد جدي تضعه الولايات المتحدة وحلفاؤها أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية.
بكين كانت قد أطلقت، قبل عقد من الزمن، مشروع الحزام والطريق ببنية تحتية قدرت قيمتها بنحو تريليون دولار، بهدف ربط الصين ببقية العالم، لكن يبدو أن المنافسة ستكون شديدة، وربما لم تتوقعها الصين.
وتشمل خطة بايدن، التي أُعلن عنها في قمة مجموعة العشرين في الهند، الاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا.
ويتكون المشروع من طريقين منفصلين، ممر شرقي يربط الهند بدول الخليج العربية، وممر شمالي يربط دول الخليج بأوروبا.
وتظهر الخطة الطموحة أن الولايات المتحدة يمكنها الاعتماد على حلفائها في الشرق الأوسط في جهودها لاحتواء صعود الصين.
خلق التوازن
بايدن متحمس للمشروع خاصة أنه سينفذ مع حلفاء مثل السعودية التي توترت علاقته فيها منذ توليه الرئاسة، وقبل أن يزور المملكة لتلطيف الأجواء، والإمارات التي تحافظ على توزان حذر في العلاقة الاقتصادية بين العملاقين، أميركا والصين.
فكيف ستجد دول الخليج توازنا بين الحلفاء التقليديين، مثل الولايات المتحدة، والشركاء الناشئين مثل الصين؟
السعودية تجد نفسها أيضا في شراكات اقتصادية مع أقوى دول العالم، وهذا بحذ ذاته يشكل تحديا للمملكة التي تسعى، بقيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، إلى احتلال مكانة مرموقة في خارطة الاقتصاد العالمي.
وما يظهر حماسة بايدن لدور الحلفاء التقليديين، أنه قال لرئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، “شكرا لك، لا أعتقد أننا سنكون هنا بدونك”.
“صفقة كبيرة”
ستمر البضائع والخدمات عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا. وسيعمل هذا المسار أيضا على تمكين الاتصال بالكهرباء والتكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى أنابيب لتصدير الهيدروجين النظيف، وفق شبكة سي إن إن.
وقال بايدن، الذي كان يجلس بين رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، إن الاتفاق الذي تم الإعلان عنه في القمة يعتبر “صفقة كبيرة”.
وقال بايدن: “إن العالم يقف عند نقطة انعطاف في التاريخ”، مضيفا أن “الاستثمار في الخطة اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى”.
كما أشادت إسرائيل، التي جعلت تطبيع العلاقات مع السعودية من أولوياتها، بالمشروع قائلة إنه “يغير وضعنا العالمي والتاريخي، ويعزز رؤية اندماج إسرائيل في العالم”.
وتقول صحيفة وال ستريت جورنال إنه “من غير المتوقع أن تكون إسرائيل شريكا أوليا في بناء الممر”، لكن إدراج إسرائيل في طرق الممر “سيساعد على دمجها بشكل أعمق مع السعودية”، حيث يحاول البيت الأبيض التفاوض على صفقة لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وتقول الصحيفة إن من شأن ممر العبور الجديد أن يعزز أيضا العلاقات بين واشنطن والرياض، التي توترت بسبب قضايا تشمل حقوق الإنسان وسياسة النفط والدعم السعودي المتصور لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أشاد، السبت، بالخطة الطموحة لإنشاء ممر تجاري دولي يربط بين أوروبا والشرق الأوسط والهند، معتبرا أنه أكبر مشروع تعاوني لإسرائيل على الإطلاق.
وبدأت السعودية التخطيط لتعزيز بنيتها التحتية الوطنية كجزء من خطط بتريليونات الدولارات لتحويل اقتصادها بعيدا عن النفط.
بديل لاتفاقية “الديون والمشنقة”
ويقول محللون إن الممر يهدف إلى تحدي مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين عبر مشروع البنية التحتية الضخم في عام 2013، وضخت حوالي تريليون دولار في مشاريعه حتى الآن.
وقالت بكين الشهر الماضي إنها وقعت على مر السنين وثائق تعاون لمبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية.
ومع ذلك، واجهت الخطة مشاكل، بما في ذلك نقص التمويل، وبعض المعارضة السياسية، مما أدى إلى توقف بعض المشاريع.
بايدن كان قد هاجم الشهر الماضي مبادرة الحزام والطريق الصينية التي وصفها بأنها “اتفاقية الديون والمشنقة”، والتي تأمل الولايات المتحدة ومجموعة السبع (G7) في مواجهتها بالبدائل.
في ذات الوقت، لم يغفل بايدن أهمية تحسين العلاقات بين واشنطن وبكين، مؤكدا أنه “صادق” في السعي لتحقيق ذلك.
وكان بايدن قال للصحفيين المسافرين معه في فيتنام: “لا أريد احتواء الصين، أريد فقط التأكد من أن لدينا علاقة مع الصين في وضع أفضل”.
مكمل أم منافس؟
ينظر إلى اتفاق السكك الحديدية والموانئ متعدد الجنسيات على أنه ينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية، لكن أصواتا تقول غير ذلك، لأنها تراه “مكملا” للمشروع الصيني، فالجميع يريد اقتصادا عالميا منتعشا عبر تسهيل انتقال البضائع والتكنولوجيا والمواد الأساسية للصناعات.
وقال وزير الاستثمار السعودي، خالد بن الفالح، في فعالية في نيودلهي في وقت سابق الاثنين، إن الممر سيكون “المكافئ لمبادرة الحزام والطريق”، وأضاف أنه سيوفر “ربطا أكبر للطاقة والمواد الصديقة للبيئة والسلع المصنعة والجاهزة التي ستعيد توازن التجارة العالمية”.
وفي أثناء زيارة دولة أجراها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى نيودلهي، الاثنين، بحث البلدان أيضا إمكان إجراء المبادلات التجارية بعملتي البلدين واستئناف المفاوضات على اتفاقية تجارة حرة بين الهند ومجلس التعاون الخليجي.
وقال، أوصاف سعيد، المسؤول بوزارة الخارجية الهندية، إن الممر الجديد سيشمل إنشاء موانئ وسكك حديدية وطرق، فضلا عن شبكات للطاقة والغاز والألياف الضوئية.
وخلال محادثاتهما في وقت سابق، الاثنين، بحث الرئيس الهندي وولي العهد السعودي التعاون في مجال الفضاء وأشباه الموصلات والتصنيع الدفاعي.
وتقول، سينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، في حديث لشبكة سي أن أن الأميركية، إنه من المحتمل ألا يكون هناك حجم تجارة كاف في المنطقة لجعل مشروع بايدن ومشروع الصين قابلين للتطبيق في نفس الوقت. وأضافت أن “جوهر الأمر هو أنها بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية”.
وتعتقد بيانكو أن الشركاء في الممر التجاري الجديد لديهم أيضا الأموال والإرادة السياسية اللازمة لتحقيق المشروع في وقت كاف، ليكونوا قادرين على تحدي مبادرة الحزام والطريق.
ثلاث دول في مبادرة الحزام والطريق
المعضلة أن ثلاثا من الدول المشاركة في اتفاق الممر الجديد الذي تدعمه واشنطن، ويراه البعض خطوة لمواجهة مشروع بكين، هي أساسا شريكة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي السعودية والإمارات وإيطاليا.
هذا الموقف قد يضع تلك الدول في حرج أمام الصين، خاصة أن بكين ستنظر إلى المشروع الجديد على أنه محاولة من دول الغرب لتقويض قدرة الصين على المنافسة عالميا، وإفشال مشروعها الذي تعول عليه.
ونقلت سي أن أن عن وسائل إعلام إيطالية قولها إن رئيسة الوزراء، جيورجيا ميلوني، تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع الصين، بينما تسعى إلى خروج “ناعم” من مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي انضمت إليها روما في عام 2019.
ووصفت الخبيرة بيانكو عضوية إيطاليا في مبادرة الحزام والطريق بـ”الشذوذ”، وأن ميلوني ملزمة بالانسحاب منها.
مواقف دول الخليج
بالنسبة للإمارات والسعودية، يقول خبراء تحدثوا لشبكة سي أن أن، إن الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا “ليس بالضرورة بديلا” لمبادرة الحزام والطريق.
وقال، محمد باهارون، المدير العام لمركز دبي لأبحاث السياسات العامة، المعروف باسم بوث، لشبكة سي أن أن، إن الممر هو “مظهر من مظاهر أجندة الاتصال العالمية التي تلاحقها دولة الإمارات والمنطقة”.
وأضاف أن الممر الجديد سيكون “مكملا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، أكثر من كونه منافسا لها، حيث أن كلاهما عبارة عن محاولات لتسهيل حركة البضائع (بما في ذلك الطاقة) والأموال والأشخاص والبيانات”.
ويعتقد باهارون أنه إذا تم النظر إلى مشروع الممر الجديد كـ”بديل” أو “منافس” لمبادرة الحزام والطريق الصينية، فإنه “سيفشل” في تحقيق إهدافه.
لكن الخبيرة بيانكو، تقول لشبكة سي أن أن، إن قرار دول الخليج بالانضمام إلى المشروع الجديد “قد يكون مدفوعا أيضا بتباطؤ الاقتصاد الصيني”.
وتأتي قمة مجموعة العشرين وإعلان الممر الاقتصادي الذي يدعمه بايدن بشدة بعد أسابيع فقط من دعوة السعودية والإمارات للانضمام إلى مجموعة البريكس للدول النامية.
وتضم المجموعة حاليا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وقد اعتبر البعض توسعها المحتمل والأول على الإطلاق منذ عقد من الزمن، بمثابة تحد للنفوذ العالمي للولايات المتحدة.
وعلى الرغم من الضغوط لاختيار أحد الجانبين، أصرت دول الخليج على الحفاظ على موقف متوازن يتضمن التعاون السياسي والاقتصادي في جميع المجالات، وهو الأمر الذي يقول محللون لشبكة سي أن أن إنه يجعل دول الخليج ذات أهمية استراتيجية.
وتقول بيانكو إن دول الخليج “تستخدم هذه التعددية القطبية، وهذا (النظام) العالمي الجديد لمحاولة وضع نفسها في قلب التجارة العالمية، وتحاول الاستثمار بشكل أكبر في الاتصال والعولمة”.