- Author, داليا حيدر
- Role, بي بي سي نيوز عربي
تتضاءل الآمال بالوصول إلى ناجين في قرى المغرب الأكثر تضررا بسبب الزلزال المدمر الذي هز البلاد مساء الجمعة الموافق للثامن من سبتمبر/أيلول، وأودى بحياة 2681 شخصا حتى الآن بينما بلغ عدد الجرحى 2501.
وتواجه فرق الإنقاذ والمجتمع المدني تحديا هائلا للوصول إلى القرى المنكوبة في إقليم الحوز للعثور على ناجين و مساعدة المتضررين و إيصال الإمدادات لهم.
ويعزو معظم الأشخاص الذين تحدثت معهم بي بي سي صعوبة الوصول لهذه المناطق بسبب الطبيعة القاسية لمنطقة الأطلس الكبير المتميز بعلو جباله ومسالكه الوعرة.
“نحن بانتظار مأساة”
ويصف ناصر جبور، مسؤول المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني في الرباط، ما حدث بقوله: “زرت المنطقة من قبل في الحالة العادية، الآن أكاد لا أعرفها، تغيرت كثيرا بسبب الانجرافات والانهيارات وتعطل سبل الاتصال، والمسالك الجبلية غير سالكة. لو كنت أنا هناك سيصعب علي التحرك”.
ويعلق جبور على ما حدث بأن “السلسلة الجبلية متأثرة وكأنها دخلت في تناغم مع الزلزال”.
يشير جبور لقرية “إغيل” التي لحق بها دمار كبير إضافة لمئات القرى في إقليم الحوز، حيث بدا الدمار هو الحالة العامة التي ترسم المشهد، بحسب وصفه، مع وجود عدد قليل من القرى التي قاومت الزلزال الى حد ما.
وما يزيد من تعقيد الوضع هو تعذر الوصول لتلك المناطق دون شق مسالك جبلية جديدة لأن “بعض القرى ليس لديها حتى مسالك طرق للسيارات”.
وأظهرت مقاطع فيديو تداولها سكان محليون على الإنترنت دمارا هائلا في القرية الأمازيغية إذ تبدو بعض الأبنية وقد سويت بالأرض.
وفي حين لم تتمكن بي بي سي من تحديد موقع هذه الصور بدقة، ظهر قرويون وهم يحاولون الحفر بأيديهم وبالمجاريف اليدوية أملا في العثور على أحياء تحت الأنقاض. ويستبعد جبور أن تكون البنية التحتية للطرقات هي السبب الرئيسي في تعذر وصول فرق الإنقاذ، ويعتقد أنه “حتى لو كانت هناك بنية تحتية حديثة لكانت ستتأثر أيضا. إنه زلزال في منطقة جبلية ونحن بانتظار مأساة. هذا المعنى الحقيقي للكارثة الطبيعية.”
وبالرغم من تدخل الجيش الوطني المغربي لدعم فرق الإنقاذ لإيصال المساعدات لتلك المناطق إلا أن المروحيات التابعة للجيش لم تتمكن من الهبوط بسبب وعورة التضاريس هناك.
وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي المروحيات تلقي بالمساعدات فوق تلك القرى، لكن بي بي سي لم تتمكن من تحديد مكان تصوير تلك المقاطع.
ويقول عبد اللطيف وهبة، رئيس بلدية تارودانت إن المروحيات هبطت في المناطق الساحلية الأقرب لتعذر هبوطها في القرى المنكوبة بينما يحاول المنقذون إيصال الجرحى الى هناك.
“نواجه مشكلة كبيرة.. الطريق وعرة وجبلية وهناك كثير من الحجارة الكبيرة التي سقطت على الطريق إضافة الى أن الطرقات لا تحتمل الاليات الثقيلة للعبور، و بعضها انهار الجبل فوقها”.
ويتابع وهبة وصف ما حل بقريته شرقي إقليم الحوز والتي تضررت بشكل كبير، حيث اختفت دور ومدارس وقرى صغيرة نهائيا، كما انهارت المدارس بالإضافة لمحكمتين، بحسب وصفه. ولا تزال جهود البحث عن ناجين تحت الأنقاض من قبل عناصر المجتمع المدني متواصلة مع خبو الأمل بالعثور على أحياء كلما تقدم الوقت.
“أخشاب وشجر ودواب”
تقول المهندسة المعمارية، حجيبة عمار، إن الطبيعة الجغرافية للمناطق المتضررة وعرة وصعبة ومعظمها وسط الجبال حيث لا توجد سبل للوصول إليها إلا عن طريق المشي على الأرجل، ويجب أن يكون الشخص ملماً بتضاريس المنطقة.
وهذا ما يؤكده وهبة واصفا الساعات التي تلت الزلزال بأنها صعبة وضاغطة.
“السكان يستخدمون الدواب لنقل الناس الجرحى و المتوفين لساحات قريبة حيث تمكنت المروحيات من الهبوط، نحن نبحث عن الأشجار والخشب لننقل الأشخاص عليها على ظهورنا للوصول لسيارات الإسعاف”.
وبالرغم من قسوة التضاريس الجبلية هناك، يشير وهبة إلى أن الناس هناك “متمسكون بالأرض”.
يعتمد سكان المناطق النائية على الفلاحة والرعي بشكل أساسي، لكن مستقبل هؤلاء بات مجهولاً بعد أن تعرض العديد منهم لجروح وإصابات قد تعيق قدرتهم على تأمين قوت يومهم.
“العديد يعانون من كسور و بتور ستجعل من الصعب عليهم متابعة عملهم”.
إلى أين يذهب الناجون؟
وبالرغم من أن اللوم يقع بشكل كبير على تضاريس المناطق المتأثرة بالزلزال لصعوبة وصول المساعدات، إلا أن بعضهم يؤكدون أن الطبيعة العمرانية لتلك القرى لعبت دوراً مباشراً في وقوع الضحايا.
بحسب المهندسة، حجيبة عمار، فإن تلك القرى ليست مهيأة عمرانيا للصمود في ظروف كهذه لأن “الأبنية بنيت وفق الطراز القديم وغير مقاومة للزلازل، والناس تبني حسب إمكانياتها لذلك لم يستخدموا خرسانات مقاومة للزلزال”.
وبالرغم من أن البلاد لا تعاني نقصاً في مواد البناء، بحسب عمار، فإن المشكلة الأساسية أن “طريقة البناء غير صحيحة. نوع الحديد والأعمدة لا يتطابق مع المواصفات المطلوبة لمقاومة الزلازل”.
وتضيف المهندسة حجيبة أنه بحسب الصور التي شاهدتها من القرى المنكوبة “تبدو الأبنية قديمة ومبنية إما من الطين أو الحجر والتراب وهي أبنية تقليدية قديمة. أما تلك الحديثة لم تتأثر بشكل كبير”.
يتفق جبور مع هذا الرأي ويعتقد أن “الأبنية لها علاقة مباشرة بحجم الضرر” فأسلوب البناء القديم لا يتلاءم مع الوضع الجيوفيزيائي للمنطقة، الأبنية تحتاج لتجديد كلي في القرى المنكوبة وشتى المناطق الأخرى.
قد يبدو الحديث عن إعادة الإعمار في غير مكانه الآن بينما يخوض المغاربة معركة مع الزمن لإنقاذ من لا زال على قيد الحياة من ضحاياهم. لكن أين يذهب الناجون الذين فقدوا كل شيء؟
يتحدث وهبة عن الجرحى من تلك المناطق بأن عددهم “كبير جداً” ولا يمكن إبقاؤهم في المستوصفات المحلية، لذلك يضطرون للخروج لإدخال آخرين، مضيفا: “لكن هؤلاء لا مكان لديهم لذا ننقلهم لمراكز الاصطياف والفنادق القريبة تحت اشراف طبي.”
لكن بعض هؤلاء لم يعد لديهم منزل يرجعون إليه بعد التعافي، وربما لم تعد هناك قرية.
يرسم جبور صورة قاتمة لمستقبل سكان هذه القرى الجبلية، التي يؤكد أن بعضها لم يعد موجوداً.
قائلا: “السؤال الآن هل لازال لهذه الناس موقع قدم في هذه الجبال؟ كل شيء سيتغير في هذه المنطقة”.