التخطي إلى المحتوى

رغم “اللهجة الجديدة” التي حملتها تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان خلال الأيام الماضية بشأن موقف الرياض من الملف السوري والعلاقة مع دمشق، إلا أن ذات المسؤول أرجأ في المقابل “فتح الأبواب” إلى توقيت غير محدد، مؤكدا في تصريحين منفصلين على عبارتين: “في وقت ما” و”من السابق لأوانه”.

ويُطلق هذا الموقف السعودي المحكوم بشقّين تساؤلات عن الأسباب التي تحوّل دون إقدام الرياض على خطوات مماثلة باتجاه دمشق، كما حصل مؤخرا من جانب دولة الإمارات والأردن ومصر، وما إذا كان عدم تحديد وقت معين لعودة سوريا للجامعة العربية يرتبط باعتبارات و”متطلبات” تريدها المملكة.

وحتى الآن لا يعرف ما إذا كانت دمشق ستكون حاضرة في القمة العربية المقبلة في الرياض، وبينما حركّت الزيارات العربية إلى دمشق ما بعد كارثة الزلزال مياه هذه القضية مؤخرا، إلا أن تصريحات الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط أشارت يوم الخميس إلى عدم إحراز أي تقدم حتى الآن.

وقال أبو الغيط حول الموقف من مسألة عودة سوريا للجامعة العربية ومبادرة الأردن بشأن تشكيل لجنة للتعامل مع الموضوع السوري إنه “جرى تناول الموضوع السوري في الاجتماع التشاوري المغلق، لكن لا يوجد خارطة طريق أو رؤية واضحة بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف في إطار جامعة الدول العربية”. 

وأضاف الأمين العام للجامعة أن “وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تحدث – في الجلسة التشاورية – عن رؤية الأردن في التعامل مع الوضع السوري، لكن الإطار العام أنه لا يوجد توافق عربي بشأن سوريا، ولا يوجد معارضة للرؤية الأردنية في هذا الشأن، لكن الوزراء استمعوا لها”. 

ومن المقرر أن تستضيف السعودية القمة العربية 2023، حسبما أعلن وزير الخارجية السعودي، في ختام أعمال الدورة الـ31 للقمة العربية التي انعقدت في الجزائر في ديسمبر 2022.

وفي حين تحدث الوزير فيصل بن فرحان، في أواخر فبراير الماضي، عن وجود إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما” عاد ليصرّح، قبل يومين، إن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية، “لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة”. 

وجدد الوزير السعودي التأكيد على أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن “عزل سوريا لا يجدي”، وأن “الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك”. 

وقال للصحفيين في لندن يوم الثلاثاء: “الحوار من أجل معالجة هذه المخاوف ضروري. وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وما إلى ذلك. لكن في الوقت الحالي أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر”. 

“متطلبات ومهلة”

ومنذ السادس من شهر فبراير الماضي – أي تاريخ حدوث كارثة الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا – كان لافتا التحوّل الذي طرأ على صعيد المواقف العربية حيال النظام السوري المعزول دوليا.

ورغم أن “التحوّل” يندرج ضمن “دبلوماسية الكوارث”، حسب مراقبين، إلا أنه لا يمكن فصلها عن المساعي “القديمة الجديدة” لإعادة سوريا إلى “الحضن العربي”، وبالتالي فتح أبواب “الجامعة العربية” أمام النظام السوري.

لم يقتصر هذا التحوّل على دولة عربية بعينها دون غيرها، بل فرضته عدة دول، من بينها الأردن وسلطنة عمان والبحرين والإمارات، ومؤخرا مصر التي زار وزير خارجيتها دمشق، والتقى رأس النظام السوري، بشار الأسد ونظيره فيصل المقداد، في خطوة هي الأولى من نوعها، منذ أكثر من عقد.

ولطالما سعت دول عربية من بينها الإمارات، خلال السنوات الماضية لتبديد حالة العزلة العربية التي تحيط بالنظام السوري، منذ اندلاع الحرب الدامية، وفي حين لم يطرأ أي تطور على صعيد تبديد هذه الحالة خلال الأشهر والسنوات الماضية، فإنه لم يكن هناك إجماع على عودة دمشق للجامعة العربية.
وجاءت كارثة الزلزال لتعيد فتح الأبواب الموصدة، في وقت كثر الحديث عن محاولات يقابلها تمهّل وحذر، وهو ما ينعكس على موقف الرياض.

ويشرح سالم اليامي وهو مستشار سابق في وزارة الخارجية السعودية أن “الصورة التي تولدت لدى الكثيرين بعد زلزال 6 فبراير 2023 أن كل الأبواب العربية فتحت للنظام في دمشق”. 

“كان هناك تركيز على الموقف السعودي”، يقول اليامي لموقع “الحرة”، ويتابع: “حقيقة الأمر كما رصدناه كمتابعين أن هناك حراك عربي منذ قمة الجزائر في 2 نوفمبر 2022 لضمان عودة سوريا الرسمية للجامعة العربية وإلى محيطها العربي، أملا في حل مشكلة الملايين المهجرين والنازحين، وبغية تخليص سوريا من الهيمنة الايرانية والروسية”.

ولا يوجد أي مشكلة لدى السعودية في عودة سوريا للجامعة العربية، “لكن هناك متطلبات وضعتها الرياض كشروط على النظام السوري”، حسب ما يضيف اليامي.

ويوضح: “يبدو أن النظام السوري بوضعه الضعيف الحالي قادر على تحقيق بعضها فقط، لذلك لايزال الأمر في طي التكهنات والتوقعات”.

بدوره يعتبر المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف أن تصريحات وزير الخارجية السعودي وعدم تحديده لموعد محدد بشأن العلاقة مع دمشق تتعلق بأنه “يريد إعطاء مساحة من الوقت للرياض في هذا المجال”. 

ويعتقد يوسف في حديث لموقع “الحرة” أن “هناك نوع من إعطاء المهلة، كي لا يكون هناك ضيق في الوقت، وحتى تنضج التفاهمات السورية-السعودية بشكل كامل”. 

“هناك اتصالات بين الرياض ودمشق في سبيل حل الإشكالات الموجودة، أما بخصوص الشروط فالدولة السورية لن ترضى أن يكون هناك فرض، وترفض أيضا أي تدخل سعودي في علاقات سوريا الخارجية”. 

ويضيف يوسف: “تصريحات بن فرحان إيجابية، ولكن يحتاج الأمر بعض الوقت”. 

6 محددات

والنظام السوري معزول إلى حد بعيد عن بقية العالم العربي في أعقاب الحملة الدامية التي شنها على الاحتجاجات المناهضة لحكم بشار الأسد في 2011.

وعلى إثر ذلك قبل 12 عاما علّقت الجامعة العربية عضوية سوريا، في وقت سحبت العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق، على رأسها السعودية.

لكن، وفي أعقاب الزلزال المدمّر استفاد النظام السوري من تدفق الدعم من الدول العربية، فيما كان حريصا على تقديم نفسه على أنه يتمتع بالشرعية الدولية، وسلط الضوء على جميع رسائل التعازي التي تلقاها من قادة العالم جراء الكارثة.

وكانت الجزائر قد استضافت أول قمة عربية منذ ما قبل جائحة كوفيد-19 في نوفمبر العام الماضي، غير أن دمشق لم تشارك بعد أن فشلت الدولة المضيفة في إقناع الدول العربية الأخرى بإنهاء تعليق عضوية سوريا.

في ذلك الوقت أشار بيان للخارجية الجزائرية أن الوزير، رمطان لعمامرة أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره السوري، فيصل المقداد، وأن الأخير أكد أن “سوريا تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية”.

وأضاف البيان أن طلب المقداد يأتي “حرصا من سوريا على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

لكن في المقابل تحدثت تقارير غربية، حينها، أن استبعاد دمشق من حضور القمة جاء بسبب رفض 3 دول هي مصر والسعودية وقطر، على اعتبار أن “عودة النظام ليست مطروحة، لأنه لم يظهر أي إشارات تدفع إلى تعديل الموقف منه”. 

وفيما يتعلق بموقف الرياض يقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي إن “الدبلوماسية السعودية تجاه الملف السوري تقوم على عدد من محددات التعامل مع القضية”.

أولى المحددات، كما يوضح آل عاتي لموقع “الحرة” هي أن “الرياض تتمسك بحقوق الشعب السوري وتدافع عنها وتؤكد عليها من خلال عودة اللاجئين وأن يتمتع السوريين بحقوقه كاملة”.

وتتمسك المملكة، كمحدد ثاني و”تؤكد دائما على وحدة وسيادة سوريا وحمايتها من الميليشيات ومن التدخلات سواء من الدول الصغرى أو الكبرى وأن تتمتع بكامل سيادتها على كامل حدودها”. 

وما سبق تؤكد عليه مقررات الشرعية الدولية ومواقف الدول العربية و”الجامعة”، إذ يضيف آل عاتي: “القاعدة المذكورة بأنه يجب حماية وحدة وسيادة سوريا من كافة التدخلات، وطرد الميليشيات والتنظيمات التي قتلت الشعب السوري، وتدين بالولاء لدول إقليمية، وفي مقدمتها النظام الإيراني”. 

في غضون ذلك يشير المحلل السياسي إلى أن بلاده “تؤكد أيضا على التزامها بالقرارات الدولية ذات الصلة، وعلى المبادرات وخصوصا مخرجات أستانة”، والتي أعاد التأكيد عليها بن فرحان يوم الخميس، في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف.

وعدا عن علاقاته مع إيران، التي تتصدّر الحديث المتعلق بمسار الانفتاح الذي بدأت تسلكه بعض الدول العربية، يوسم النظام السوري منذ سنوات طويلة بسجّل حافل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما استدعى واشنطن ودول غربية أخرى لفرض عقوبات صارمة ضد نظامه.

ولطالما أكدت واشنطن أن الحل السياسي في سوريا لن يكون إلا بموجب قرار مجلس الأمن 2254، وضمن سياق تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في جرائم الحرب.

من جهته اعتبر المحلل آل عاتي أن “الرياض تؤكد دائما على وجوب بدء عملية سياسية سورية تشمل الجميع، وتؤدي إلى إحداث وئام وسلم اجتماعي، يشمل كافة السوريين دون استثناء”. 

ويجب أن “تضمن العملية المذكورة إعادة الهيكلية السياسية في سوريا، بحيث يحصل الشعب السوري على حقوقه وأن يكون شريكا في رسم مستقبل بلاده، وشريكا في الدستور السوري”. 

ويضيف المحلل السعودي: “كما يجب أن تترافق مع محاكمة كل من تورط وتلطخت يديه بدم الشعب السوري. أي عملية سياسية لا تدحض ما قبلها. المحاكمات الدولية يجب أن تقوم بمهمتها”. 

“ليست في عجلة”

وفي أعقاب الزلزال المدمر، تعهدت السعودية بتقديم مساعدات إلى كافة المناطق المتضررة بسوريا بما فيها مناطق واقعة تحت سيطرة النظام السوري.

وأرسلت الرياض طائرات محملة بالمساعدات لمناطق منكوبة يسيطر عليها النظام، في إطار جهود الإغاثة من الكارثة، بعد أن أرسلت مساعدات في البداية فقط لشمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة.

وفي 14 فبراير، هبطت طائرة سعودية تحمل مساعدات إغاثية لمنكوبي الزلزال المدمر، في مطار حلب الدولي، وهي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق إثر اندلاع النزاع قبل أكثر من عشر سنوات.

ويعتقد المحلل السياسي يوسف المقيم في دمشق أن “السعودية وعندما أرسلت المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الدولة السورية أكدت أنها تأخذ خطا مستقلا بعيدا عن دول أخرى، تدعم المجموعات المسلحة في إدلب”، حسب تعبيره.

ويضيف: “بشكل عام التصريحات الرسمية تحمل لهجة جديدة تجاه دمشق”.

بدوره يشير المحلل آل عاتي إلى أنه وبالإضافة إلى المحددات المذكورة سابقا “تعمل الرياض على إيلاء الشأن الإنساني في سوريا أهمية قصوى، وخاصة بعد كارثة الزلزال الذي ضرب الشمال، وما تزال تداعياته قائمة”.

“السعودية تطالب بجهد إنساني كبير جدا، وأن يدعم جهدا دوليا هذه المبادرات الإنسانية، بالتزامن مع تعطيل العقوبات المفروضة لإفساح المجال لتقديم المساعدات، وتعطيل العمليات الحربية”.

ويعتقد آل عاتي أن “الدبلوماسية السعودية تنشط كثيرا في الوقت الحالي مع بقية الدول العربية بخصوص سوريا، وليس باتجاه نظام الأسد”، مضيفا: “الرياض ليست في عجلة من أمرها. تريد معالجة الملف السوري، وليس التواصل مع النظام. مع ذلك إذا اضطر الأمر للجلوس معه فهذا الأمر ليس محرما، لكن الأهم أن يحصل الشعب السوري على كامل حقوقه”.