الشارقة: أشرف إبراهيم
ثمة كتابات تفيض بروح المغامرة، تترك خيوطها على صفحات التواصل الاجتماعي – تنتمي لما يسمى مجازاً بالنص الرقمي – تذهب بعيداً عما ألفته لغة الأدب الرصينة، وتتميز بلغة خفيفة تنفذ إلى روح المتابعين من قراء «السوشيال ميديا»، وتبوح بأسرارها من الوهلة الأولى لمطالعتها، وتمتلك جسارتها في حرية التعبير، وتقفز ضمن آليات نصوص تبحث عن التفاعل الحر، وتمرّ من دون حجاب، وليس بمقدور أحد أن يتوقع ما ستحدثه في المستقبل من ضجيج، فهذه الكتابات التي تمثل في جوهرها ملامح النص الرقمي – الذي يتخفف تماماً من قضية النشر الإلكتروني والورقي – تختبر نفسها في العالم الافتراضي، وتشكل موجة أخرى من الأدب الحر.
لكن هل مثل هذه الكتابات الشعرية والقصصية المكثفة والنصوص المفتوحة التي تتسم بالقصر الشديد، بإمكانها أن تحدث فوضى خلاقة في عالم الأدب؟ أم أنها ستأخذ وقتها كي تتشكل في بحار مفتوحة من العوالم الرقمية بخاصة أنها قابلة للتعديل المستمر، وهو ما يضعف من عملية توثيقها؟ هذه النصوص الرقمية لا يمكن تجاهلها في الوقت الحاضر، بخاصة أنها من أقلام جديدة، تريد أن تصل بسرعة البرق إلى أقرب قارئ، فهي عابرة للحدود تبتكر حيلها اللفظية بمرواغة لا تصدق.
أورد الناقد الدكتور صلاح فضل في أحد كتاباته تصوراً لمفهوم النص الرقمي بقوله «طغيان التيار الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم قد تجاوز مفهوم الكتابة إلى تخليق النص المهجّن والمشكّل من خيوط لغوية ونقوش تصويرية وإيقاعية وحركة زمنية وأطر مكانية، هذا النص الجديد يختلف تماماً عن مفهوم الأدب الذي كانت لحمته وسداه من اللغة، وإن تغذى بجماليات الفنون الأخرى، ولأن بلاغة هذا النص الرقمي لا تزال في دور التشكيل، فقد لاح لى أن أعيد النظر مرة أخرى فى مدارج الأدب أو شروط إنتاجه التي استقرت نسبياً، في الوعى النقدي المعاصر، حتى يتسنى لنا أن نقدم تصورًا متماسكًا نقيس تقاطعاته وتوازياته مع النصوص الحديثة، كي لا ينداح في محيط التواصل، وتذوب حدوده في ثناياه، فتعم فوضى الإنتاج ويغيب مؤشر الجودة».
أجنحة عابرة
يتصور القاص والأديب حارب الظاهري أن ثمة كتابات لها أجنحة تمر عابرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تصعد من دون توقف، وهي تحاول رسم ملامحها فتنتشر بضغطة زر – من خلال لمس سطح ريموت كنترول – فقد دخلنا زمن النص الرقمي الذي يمثل هوساً لدى الشباب، فيطير بهم على جناح الأمنيات في أن يعبروا الطريق كله في لمح البصر، لتتشكل أسماء كتاب على صفحات التواصل الاجتماعي، وتنتشر أسرع من البرق، ما يجعلنا ننظر إلى هذه القطرات بعين واعية خالية من الهوى الشخصي، فهي تطير على جناح غيمة في أركان الدردشة، وتتنامى من دون خوف، وتبدي مشاهدها من دون تنقيح، فتجتاز وتمر في يسر وسهولة، لكن هل هذه الكتابات تخضع لقوانين الإبداع وهي تتخطى الحدود، أم أنها محاولات في أفق لم تتحدد بعد ملامحه؟
ويجزم الظاهري أن مواقع التواصل الاجتماعي مهمة – لا محالة -، وأن الأصابع التي تحترف الكتابة عبرها ستتنامى مع الزمن، فهو يرى النص الرقمي لعباً باللغة وبجمالياتها، فهو يمثل متعة لمن يدمن كتابته لكن ليست بالضرورة أن يكون هذا النص مبعثاً لفرح لدى الآخرين، إذ ربما فئة من الناس تتفاعل معه لكونها تميل إلى عدم الاستغراق الزمني في بناء جنس أدبي مكتمل الأركان مثل رواية، أو قصيدة شعرية متعددة الأبيات، أو نص حر طويل، ومن المؤكد أن بعض الكتابات التي نطالعها عبر مواقع التواصل مكثفة لكنها لا تصل إلى تجليات المهارة الفائقة في استخدام اللغة على نطاق واسع، نظراً لافتقار بعض الكتاب الجدد للموهبة، لكن لا يمكن التغافل عن أن هناك كتابات رقمية ذات جودة تخضع لمعايير غنية بمواصفاتها، وتنطلق من محطات موثوقة في معالمها المتحررة من الاستعجال، فالأدباء الذين يستعجلون الشهرة يبحثون عن مجد واه، فيعتقد بعضهم أنهم في مجد حقيقي من خلال تعليقات متابعين لا يعلم أحد قدرهم الثقافي،ومستوى فكرهم الإبداعي في الإلمام بالأدب الجيد، لذا فمن الصعب معرفة كيف سيكون حال النص الرقمي في المستقبل في ظل حالة الاطمئنان التي يكتب بها راود الكتابة الرقمية في عالم الاتصال الحديث.
والظاهري على قناعة بأن كل فصاحة حقيقية يظهرها أديب لا يمكن أن تخطئها عين، ويأمل أن تتاح الفرصة للأداة النقدية أن تفسر في المستقبل القريب موجات الأدب الحر غير الملتزم بقواعد في كتابة النص الرقمي خاصة، وأن تضيء على التجارب وتسهم في التوجيه بحيادية وإنصاف.
أعراف الكتابة
الكاتبة والروائية عائشة سلطان تنظر بعين الإنصاف إلى ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي من قبل العديد من الكتاب المعروفين، وغير المعروفين، فهي تؤمن بأنه لكل زمان ثقافي ثوراته ومفاهيمه، المألوفة وغير المألوفة، وأن أنماط قراءة النصوص الأدبية في العالم الرقمي تختلف من شخص لآخر بحسب الاستيعاب الجمالي في عملية التلقي، لكون أي رؤية فنية تتشكل في الواقع بناء على شبكة معرفية، حتى يستطيع المتلقي أن يصل إلى مستوى كثافة النص وحمولته، ومدى تماسكه، لأن التجربة الأدبية مهما كانت بسيطة ومحدودة لدى البعض فإنها تحتاج إلى قياس نقدي، حتى وإن كان انطباعياً للتعرف إلى المكونات الأسلوبية والجمالية، فالتحدي الحقيقي ينطلق من إيجاد مسافة حيوية للفضل بين الدعم الشخصي من متابعي «السوشيال ميديا» للأدباء الجدد، والدعم الإبداعي المبني على فهم دقيق ومبدئي للنصوص المكثفة التي تمتلئ بها الصفحات الإلكترونية، فهؤلاء الكتاب لديهم رغبة في إغراء المتابعين بكلمات تفاعلية لنص حر، أو قصة مكتوبة من عدد محدود من الكلمات.
وتدرك الكاتبة عائشة سلطان أن هذا تيار يقف على أعتاب عصر التكنولوجيا، وأصبح سائداً وله ديمومته، يحافظ على منجزات فارقة من وجهة نظر هؤلاء الأدباء، لكون صفحات الأدب الرقمي قد تحقق متابعات يمكن حصرها بالأرقام، وترى أنه لا بد من العدول عن فكرة أن كل ما يطرحه النص الرقمي رديء، ولا يرقى إلى الأدب بمفاهيمه المتغيرة، بخاصة أن هذه الشذرات قد تكون نواة لمخالفتها أعراف الكتابة، وتؤدي في الوقت نفسه إلى بروز مكونات فكرية جديدة في بنية الأدب والثقافة، قد يستوعبها العصر بصورة أوسع، لأنها ربما تلامس الذوق الجديد، وتفسر لماذا يكتفي رواد «السوشيال ميديا» بالمطالعة الرقمية فقط للأدب، وأنه مهما اتسعت دائرة السخط من قبل المحافظين على هذا التيار فإنه ماض إلى سبيله، خصوصاً أن المثقفين الملتزمين يستقصون بطبيعتهم الأساليب الأدبية الرصينة المعتادة التي تعرب عن إنجاز حقيقي وملموس في الواقع، ما يجعلهم غير واثقين بأدب العالم الافتراضي، وتوابعه المتجددة في هذا العصر، على الرغم من أن الأدب في حد ذاته حالياً، ملاذه الآن هو التواصل بالأداة الإلكترونية التي تبرز تطلعاته وتستشرف التجارب المتراكمة الحديثة، وهذه إشارات لما بعد الحداثة تنبئ بأنه ليس من الضروري افتعال عداوة غير محسوبة مع التجريب الجديد في لغة الأدب، من دون استخلاص نتائج دقيقة، لأنه يجب أولاً تأمل الإيقاعات الأخرى، وتحليل أدواتها، وتشجيع الإبداعات الفارقة بجدية، لأنه ربما يرتدي الأدب ثوباً قشيباً في آتي الأيام، فثمة حاجة عصرية تدعو إلى التغيير في إطار مفترض، رغم أنه قد تحدث حالة جدل عند حدوث تغير في المفاهيم، لكن علينا أن نسلّم بأن تلك المدارات الإبداعية تمثل مرحلة جديدة، ما يتطلب البحث في ظواهرها وإبراز أسباب الحاجة إليها، والتركيز على معاييرها الأسلوبية، لأن أي مشروع أدبي يتخلق وفق لغة العصر ومعارفه التجريبية في إطار محدث لدعائمه.
وقائع جديدة
الشاعر خالد الظنحاني يفكر في الوقائع الجديدة التي أحدثها النص الرقمي في دائرة مواقع التواصل الاجتماعي بشكل محايد، في ظل الأحوال التي يشهدها هذا النص الذي تمثل الغاية الرئيسية له التفاعل الجمالي مع آلياته بإثارة موضوع قد تتوفر له شروط، إبداعية أو غير إبداعية، لكنه يتداول ويتوافر على نطاق غير محدود في عالم مترامي الأطراف، يصوغه أدباء شباب غالباً يبحثون عن وحدة مشتركة تجمعهم بعدد غير محدود من المتابعين، وهذا النص الذي يكتب باقتصاد تام، سواء انتمى إلى الشعر أو مكتوب بأسلوب قصصي أو خاطرة أوكتابات حرة، تجتمع له عناصر مختلفة، ويحتمل فرضيات تبحث عن شكل اصطلاحي لم يتحدد بعد، لأن قضايا النص الرقمي الجديد تعتمد على أسس تجريبية في نموذجها القابل للتأويل، بما يشير إلى أن ثمة إشكاليات قد تترتب بناء على طرحه، وهو يفتقر إلى قدرات فنية خاصة تضعه في مرتبة الأدب الحقيقي القابل للانتشار والمقروئية على نطاق واسع، لكن الظنحاني يدرك أن النص الرقمي الذي يشع بين جنبات العالم الافتراضي قد أضحى من الحاجات الضرورية التي يستحيل أن يتخلى عنها الأدباء الجدد، لأنه يلبي طموحاتهم المشروعة التي تتمثل في رغبتهم في الانتشار، لكن هذه الرغبة المتفائلة قد تبرهن أن العجلة في طرح كتابات غير مستوفية لشروطها الفنية قد تتعارض مع الجوهر الحقيقي للأدب الخالص، ومن ثم الوصول إلى تجربة مكتملة لا تبحث عن مجد زائف، وحصيلة وفيرة من كتابات ضعيفة تفتقر للجودة الفنية، ولا تتجانس مع مفاهيم الأدب الذي يشكل حياة الناس، ويصور أفراحهم وأحزانهم، ويشاركهم متعة اللغة المصفاة، لذا فإن هناك وقتاً كافياً لدى كل متأمل لبواعث النص الرقمي لكي يحدد علاقته المباشرة بالخواص الإنسانية التي باستطاعتها أن تشكل خطاباً وجدانياً يتقارب معه الإنسان العادي والمثقف الحصيف، خصوصاً أن عملية التجريب مستمرة، لكنها في هذه الفترة لا تعطي تصوراً كلياً عن نموذج النص الرقمي ونزعته الإبداعية، وهل هو مخالف للذوق أم يتماهى معه، فإدراكه صعب لأنه يجب اختبار العديد من النصوص المطروحة، وتحديد انتماءاتها المعرفية، لأن الممارسات الحالية لبعض النصوص الرقمية تؤكد عدم عدم الالتزام الخلاق بجماليات الكلمة وخصوبتها ومدى قدرتها على شد الانتباه ببساطة وتلقائية.
ويعتقد الظنحاني أيضاً أنه لا يمكن التعويل على متابعي الأدب الجديد في أنهم من الممكن أن يصدروا رأياً صائباً، ويحكموا على جودة النص بمعايير موضعية، لذا يتمنى ألا يترك كبار الكتاب، من الشعراء والروائيين ومبدعي القصص القصيرة والأدباء بوجه عام، فرصة التواصل الخلاق مع العوالم الرقمية، ومن ثم نشر نص رقمي مواز لا يستهان به، لترحب به الثقافة ويحظى باهتمام حقيقي من خلال استحضار أسس جمالية ربما تكون تأسيساً حقيقياً للنص الرقمي ينهل من الأدب الحقيقي، ومن منبع يتميز بالخبرة والحكمة، وفي نفس الوقت يمنح الفرصة للكتاب الجدد في أن يستوحوا من الكتاب الكبار أسلوباً تواصلياً في لغة الأدب، يرتبط بالمتغيرات الإبداعية، إذ إن معظم الأدباء الحقيقيين خارج نطاق العالم الرقمي حالياً، ولديهم اكتفاء بالوقوف بعيداً عن ظلاله، رغم أهميته لكونه هو المشكل لوجه المستقبل وأساس مهم في عمليات التجريب العصري.
إثبات الكفاءة
أما الكاتبة المتخصصة في أدب الطفل والروائية ميثا السبوسي، فإنها تعتبر النص الرقمي واقعاً جديداً في الحياة المعاصرة وأنه يتعين على الجميع تقبّله، فهو يتراءى في الأفق على أنه لم يكتسب شرعيته حتى الآن، لكنه في حقيقية الأمر ينمو في الفضاء التكنولوجي بشكل موسع، على الرغم من أن البعض ينظر إلى محتواه على أنه لغة ثانية، وأن بعض النصوص المنشورة لا تشتمل على اللغة المألوفة بشكلها المكتمل في الثقافة العربية، لكن في واقع الأمر يجب النظر إليه بعين أخرى، فهو موجه إلى متلق آخر ليس لديه وقت طويل للتأمل والتفكر، هذا المتلقي من رواد «السوشيال ميديا»، وليس لديه نفس طويل للمضي قدماً في فك الشفرات الجمالية للنصوص بالمستوى ذاته عند القارئ المثقف المطّلع على الآداب، ولديه رؤية وخبرة وحساسية لغوية، واستعداد للاستكشاف، ولذلك، على الجميع أن يتحلى بالمرونة في استقبال النص الرقمي بهيئته الحالية، لكونه يتدرج شيئاً فشيئاً في الحقول الثقافية المستحدثة، وأنه ربما تتنامى بنيته وحركيته، ويكون له نظام يدل عيله، لأنه يمثل نوعاً من التبادل الإبداعي في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تحتضن الكتاب الجدد، وتبث في نفوسهم البهجة وتجعلهم في حالة تجريب مستمر، على الرغم من أن القضايا المطروحة غير ممنهجة، ولا تعبّر عن وحدة متكاملة نحو إنجاز حقيقي يثبت الكفاءة ويضمن التواصل المعرفي على المدى البعيد. لكن السبوسي ترى أن النص الرقمي غير المحدد حالياً، قد يشهد تغيرات تؤثر في بنية القواعد الأدبية الثابتة، وأن الذي سيحكم هذا الأمر هو شكل النماذج المستقبلية وأنماطها الحيوية وطبيعة رسالتها الفكرية، ومدى قدراتها على جذب متلق آخر من خارج فضاء «السوشيال ميديا»، فالمسؤولية موزعة على الجميع، وأن من الضروري أن يكون هناك تحليل دقيق يضمن تصنيف الإنتاجات الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي على قناعة بأن النص الرقمي بخواصه الإبداعية الحالية، هو في حد ذاته إشكالية تنبثق من أثر لا يمكن فصله عن الواقع الثقافي ككل لأنه أصبح له جذر على كل المستويات.
لغة العصر
ومن خلال مباشرة الناقدة الأدبية عبير الحوسني ما يطرحه الأدباء على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها تتأمل مختلف التجارب بطريقة معيارية، ومن ثم تتعرف إلى الأساليب الإبداعية التي تحتويها النصوص الرقمية وتفكر ملياً في مكوناتها وملامحها لتقيس درجة فعاليتها، وتتحقق من إنجازها الجمالي، خصوصاً أنها ترى أن النصوص الرقمية تمتد في الأفق التكنولوجي، وتحظي بدرجة من المقروئية، لكنها تؤمن بضرورة تطوير الأدباء من أنفسهم والامتثال إلى النماذج الفارقة في الأدب، والتشبع بالموروث الأدبي الزاخر، والتماهي أيضاً مع لغة العصر، لكي يعثر كل أديب على أسلوبه الخاص، وهو يتخذ من «السوشيال ميديا» أداة للتواصل الخلاق مع متلق غير معروف هويته، فالحرص على تنمية الأدباء الجدد أنفسهم في عالم افتراضي لا بد من أن تصاحبه الأعراف السائدة حتى تتلاءم الموضوعات بصيغتها الأدبية مع جماليات أصيلة في الحياة الثقافية.
أدب حقيقي
وتحاول الشاعرة شيماء الشامسي، تفكيك خطاب النص الرقمي من خلال النظر إلى وحداته وأبعاده المتنوعة لكونها تشارك في نشر نصوصها عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي لديها إلمام بالمحتويات التي تتوالى في النصوص التي تطالعها، إذ ترى أن لكل أديب مستوى لغوياً معيناً، بخاصة الأدباء الجدد الذين يكتبون نصوصاً تفاعلية، ما يبرز النمط لأسلوبي، إذ كثرت أغصان هؤلاء الكتاب – الذين تعد نفسها واحدة منهم -، لذا فهي تتوقع حدوث تحولات في الثقافة المعاصرة – إن لم يكن بدأت بالفعل – في ظل الأبنية السردية الكثيفة التي تتكرر بشكل يومي على مواقع التواصل الاجتماعي، وشعور المتلقي بأنه يراقب مستويات متمايزة في اللغة ما بين السطحية أحياناً، والمقبولة، إذ يسعى كل كاتب إلى توصيل فكرته الجمالية من خلال نصوص حرة في الشعر والخاطرة الأدبية والقصة الومضة والكتابات الحرة الأخرى، ما يجعل المحتوى ثرياً من ناحية توافره على هذه المواقع، خصوصاً أن لكل كاتب متابعين، وهناك لذة حقيقية يشعر بها الأدباء الجدد من خلال الإصرار على المشاركة الكثيفة بنصوص رقمية تعبر عن أفكارهم، وتوضح أدواتهم واتجاهاتهم وفرضياتهم، حتى وإن كان بعضها بسيطاً، لكن هذا الاستعداد المفرط لديهم لمداومة نشر النصوص الرقمية يجعلهم مهيئين للتواصل الحميم مع جمهورهم من المتابعين، فهذا النظام التواصلي لا يخضع إلى أطر محددة تضمن لهم الارتقاء بمستوياتهم الأدبية، إذ لا غنى عن الفضاء الحقيقي في عالم الأدب، لأنه هو الأساس الذي في ضوئه تتنامى التجارب وتتسع رقعة المعارف، وعلى الرغم من العديد من كتاب النص الرقمي على دراية بهذا الأمر لكن النشوة الجمالية التي اكتسبوها من خلال التعليقات التي تشعر بعضهم بأنهم عمالقة في الأدب، هذه الأمور قد تمنع هذا النوع من الأدباء من الاندماج مع الأدب الحقيقي الذي يجعل المواهب الحقيقية تكتسب الخبرة في اكتشاف ذاتها، ومعرفة قدراتها الحقيقية، مهما كثرت من حولها علامات الإعجاب، لأن الرصيد الحقيقي للأديب يتمثل في أن يتقدم أكثر، ويستلهم لغة متجددة، خصوصاً أن «السوشيال ميديا» قادرة أن تجعل البعض نجوماً في فترات قصيرة، لكنها ليست ضمانة على أن يظل بريق الكاتب مستمراً، فالجميع يعلم أن كاتب النص الرقمي يتأثر بعدد المتابعين ما يجعل تركيزه أكثر على ما يعجب هذا النوع من الملتقين من دون النظر في كثير من الأحيان إلى المحتوى، ودرجة كثافته اللغوية، ومستوى فكرته، ومدى جدواه أيضاً في عالم الأدب.
هوية إبداعية
عبير الحوسني على قناعة بأن تكوين أسلوب أدبي خاص يمنح الكاتب هوية ويجعل إبداعه معروفاً، وهذا ما يفتقده الكثير من كتاب النص الرقمي، ولا بد من توظيف ملكات المبدعين الجدد، خاصة بما يخدم النص الرقمي الذي لم يأخذ شكله النهائي بعد، ولم تكتمل ملامحه لكي يحظي بالاعتراف، وهذا الأمر ربما يستغرق وقتاً طويلاً حتى تتضح الرؤية، فالأهم، من وجهة نظر الحوسني، أن تستحضر الذاكرة هذا النص في المستقبل من خلال الدور الحقيقي الذي سيؤديه على خارطة الثقافة، فالأساليب المتميزة هي التي ستدخل السباق، وستستقبلها حواس المتلقين، وسينظر لها على أنها علامات، إذ من الضروري الالتفات إلى طبيعة اللغة التي تكتب بها النصوص الرقمية، إذ إنه غالباً ما تكون في نسقها المعبّر لا تتوازى مع اللغة الأدبية الفارقة في مستوياتها المعروفة، ما يجعل تقبّلها في الوقت الحالي من المنظور النقدي ضعيفاً، لكن الأمل في تناميها ليس مفقوداً في ظل وجود نماذج رصينة تكتب أيضاً نصوصاً رقمية بشكل مغاير.
توتر
تدرك شيماء الشامسي أن التوتر الذي يصاحب أدباء «السوشيال ميديا»، أمر غير صحي، لكن في الأغلب لا يمكن وضع تصور محتمل لشكل النص الرقمي في المستقبل، لأنه منطقة أخرى في عالم الأدب، وعلينا أن ننتظر القادم حتى تتحدد ملامح هذا النص، ومدى تقبّله على نطاق واسع، وكيف ستتابعه الأداة النقدية، وهل سيحظى باهتمام نقدي حقيقي، أم سيظل يدور في فلكه الخاص؟