التخطي إلى المحتوى

السعودية تعود بقوة إلى واجهة تنظيم أكبر التجمّعات الدولية

مع إعلان الاتحاد السعودي لكرة القدم، أمس (الأربعاء)، نيّته الترشح لاستضافة نهائيات كأس العالم 2034، انبرى عدد غير قليل من الدول في جوار السعودية ومحيطها إلى تأييد ودعم السعودية في ملف ترشحها لاستضافة «مونديال 2034»، في خطوة مباشرة، من شأنها أن تكشف عن ثقة عالية في القدرات السعودية بهذا الإطار، لتعود البلاد إلى واجهة أكبر البطولات الرياضية على مستوى العالم، متسلّحةً بإرث كبير، شمل استضافة وتنظيم بطولة «كأس القارات» للمنتخبات أبطال القارات في 3 نسخ متتالية لأعوام 1992 و1995 و1997، واستضافة كأس العالم للأندية العام الحالي، فضلاً عن المناسبات القارية الأخرى.

اتفاق دولي على مقوّمات النجاح

واتّفق معظم بيانات الدعم الرسمية من الاتحادات الرياضية، التي وصلت خلال أقل من 24 ساعة إلى «20» اتحاداً عربياً وأفريقياً وآسيوياً، على أن لدى السعودية «كل مقوّمات النجاح لاستضافة المونديال»، بالإضافة إلى الاتحاد الآسيوي الذي استجاب سريعاً لإعلان السعودية. وأكّد دعمه قبل النظر في ملفات ترشيح محتملة من دول القارة الآسيوية، مع استمرار الفترة المتاحة لدول آسيا ومنطقة الأوقيانوس لإعلان ترشحها.

استضافة وتنظيم المواعيد الكبرى على كل الأصعدة

لم تكن السعودية مرتبطةً فقط خلال السنوات الأخيرة باستضافة الفعاليات الدولية الرياضية أو السياحية، بل إنها كانت وجهة سياسية أيضاً، زارها كثير من زعماء العالم، بشكل متكرّر أيضاً، خصوصاً على صعيد القمم والمؤتمرات التي ناقشت أهم القضايا الدولية، وكانت «الشرق الأوسط» قد انفردت في يوليو (تموز) الماضي برصد عدد القمم التي استضافتها البلاد خلال السنوات السبع الماضية، مسجّلةً ما قدره 25 قمة خليجية وعربية وإسلامية استضافتها على مدى 7 سنوات، علاوةً على قمم دولية وطاولات نقاش أخرى.

الملك سلمان بن عبد العزيز مترئساً اجتماع القمة لدول مجموعة العشرين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 (غيتي)

الأمر لم يتوقف بالنسبة للسعودية عند هذا الحد، حيث يتفق كثير من المراقبين على أنه يمكن القول إن السنوات الماضية كانت بمثابة «إشعال فتيل الشُّعلة»، لأن التفاصيل تكشف أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، انطلقت السعودية في استضافة ما يربو على 50 حدثاً رياضياً كبيراً في مختلف الرياضات، ستكون ذروتها استضافة كأس العالم للأندية نهاية العام الحالي في محافظة جدة، غرب البلاد، فضلاً عن احتضان فعاليات دولية كبرى في رياضات كرة القدم والسيارات والتنس والفروسية والرياضات الإلكترونية والغولف، بالإضافة إلى عروض مصارعة المحترفين الأميركية وغيرها، لتكرّس من خلالها مكانتها بوصفها إحدى أبرز الوجهات الرياضية العالمية.

زيادة مستهدف استقبال الزوّار الدوليّين

يأتي إعلان السعودية نيّتها الترشح لاستضافة كأس العالم 2034، متوافقاً بشكل جدي مع التوجهات الاقتصادية التنموية التي تجري في ورشة العمل التنموية الكبرى في البلاد «رؤية 2030»، التي يأتي ملف السياحة في مقدّمة أولوياتها، مدعوماً برؤية استراتيجية للقطاع من أعلى مستوى في البلاد، تستهدف الوصول بمساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السعودي إلى نحو 10 في المائة بحلول عام 2030، واستقبال 100 مليون سائح في عام 2030، قبل أن يعود وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب أواخر سبتمبر (أيلول) المنصرم، ويكشف عن زيادة المستهدف من 100 مليون سائح إلى 150 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030.

نهضة تشمل جميع المستويات

تعدّ استضافة المسابقات الرياضية أحد الجوانب الرئيسية في تحويل البلد إلى وجهة دوليّة، ليس على جانب السياحة فقط، وإنما في جوانب أخرى، كما أشار إلى ذلك الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في تعليقه المنشور أمس (الأربعاء) على وكالة الأنباء الرسمية (واس)، أن «رغبة المملكة في استضافة كأس العالم 2034 تعد انعكاساً لما وصلت إليه من نهضة شاملة على الأصعدة والمستويات كافة. الأمر الذي جعل منها مركزاً قيادياً وواجهة دولية لاستضافة أكبر وأهم الأحداث العالمية في مختلف المجالات، بما تملكه من مقومات اقتصادية وإرث حضاري وثقافي عظيم».

إحدى القمم المرتفعة التي سيصلها المخطط العام لمشروع «قمم السودة» في عسير جنوب السعودية (واس)

وتبرز جهود تعزيز السياحة باعتبارها جزءاً رئيسياً من «استراتيجية تنويع الاقتصاد»، التي تشهدها السعودية كعنوان رئيسي لرؤيتها التنموية «رؤية 2030»، حيث لعب نظام «التأشيرة الإلكترونية» الذي تم إطلاقه في وقت سابق دوراً في دفع القادمين من أنحاء العالم للتعرف على تاريخ البلاد العريق، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلّابة، وتجربة كرم الضيافة وترحاب شعبها الذي يُعدّ حالة استثنائية في المجتمع الأصيل للبلاد في إطار ما سمّاه خبراء في الضيافة بـ«صناعة الضيافة على الطريقة السعودية».

صناعة الضيافة

وعلى صعيد «صناعة الضيافة» التي تتميّز بها البلاد مع تنوّعها التراثي والجغرافي، الذي فعّلت البلاد استثماره بشكل جدّي مؤخّراً بإضافة وجهة جديدة في منطقتها الجنوبيّة، تتمثّل في إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان عن المخطط العام لمشروع «قمم السودة» في 25 سبتمبر (أيلول) المنصرم، لتضيف السعودية «منطقتها الجنوبية» إلى قائمة ثرواتها الجغرافية، بعدما أتمّت إطلاق مشاريع التنوع الجغرافي عبر مشاريع «العلا» شمالاً لتستغل الثروة الصحراوية والجبلية الطبيعية في المنطقة، و«البحر الأحمر» غرباً لتحوّل الجزر الطبيعية غير المستغلّة إلى وجهة سياحية ملهمة، و«الدرعية» وسط البلاد عبر أكبر مشروع تراثي وثقافي في العالم لتطوير «الدرعية التاريخية». لتستقبل البلاد 67 مليون زائر من مختلف أنحاء العالم خلال عام 2022 فقط، بحسب أرقام رسمية.

عنصر أساسي في المعادلة السياحية

وخلال الأيام القليلة الماضية، سجّل القطاع كثيراً من الأخبار الهامة التي تكشف عن مستوى متقدم، يظهر البلاد كعنصر أساسي في المعادلة السياحية بمنطقة الشرق الأوسط، حيث استضافت العاصمة السعودية الرياض، السبت، فعاليات «يوم السياحة العالمي» في دورتها 43؛ حيث اعتبرت منظمة السياحة العالمية هذه الاحتفالية «الأكبر والأكثر تأثيراً»، وذلك من خلال مشاركة أكثر من 50 وزيراً للسياحة، ومشاركة ما يزيد على 500 قائد وخبير ومسؤول من 120 دولة حول العالم.

وشملت الأخبار أيضاً مجيء السعودية ثانياً في نمو عدد السياح الوافدين على مستوى العالم، وفقاً لتقرير السياحة العالمي «باروميتر»، الصادر عن منظمة السياحة العالمية، الثلاثاء، وذلك في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، مسجلةً نسبة نمو قدرها 58 في المائة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019 قبل جائحة «كوفيد 19».

«تروجينا» في نيوم، شمال السعودية، تستضيف دورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2029 بمشاركة أكثر من 32 دولة (واس)

وفضلاً عن تلك الأخبار المتسارعة التي تكشف أن البلد بات رقماً أساسياً في وجهة السياح الدوليّين، وأهل الأعمال من سياسيين واقتصاديين ودول وحكومات ومؤسسات في مختلف القطاعات، تسجل السعودية حتى اللحظة حظوظاً أكبر من غيرها للفوز باستضافة معرض «إكسبو الدولي 2030 في الرياض» مع إعلان كثير من الدول الأعضاء في المكتب الدولي للمعارض والمؤتمرات دعم وتأييد ملف السعودية للترشح، كما ستستضيف البلاد فعلياً مسابقات رياضية دولية قادمة، على غرار «كأس العالم للأندية 2023، ورالي داكار العالمي 2023، ودورة الألعاب القتالية 2025، وكأس آسيا للسيدات 2026، وكأس آسيا 2027، ودورة الألعاب الشتوية 2029، ودورة الألعاب الآسيوية 2034».

قدرة سعودية على استضافة المنافسات الكبرى

من جانبه، قال الكاتب الصحافي في «بلومبرغ»، كريغ تاينر، إن «اهتمام السعودية بالرياضة خلال السنوات الأخيرة عبر استضافة فعاليات كبرى في أنواع مختلفة من الرياضات، واستقطاب عدد كبير من اللاعبين المحترفين الكبار على مستوى العالم في غضون أشهر قليلة، بالإضافة إلى التقارير الإعلامية التي كشفت في وقت سابق عن حماس البلاد لاستضافة مشتركة مع مصر واليونان لنسخة كأس العالم 2030، كلها وعوامل أخرى تجعل السعودية قادرة على استضافة كأس العالم في عام 2034».

وكشف الإعلامي البريطاني كافيه سولهيكول أنه شاهد الجمهور السعودي في كأس العالم في قطر 2022، قائلاً: «رأيت بأم عيني في مونديال قطر العام الماضي أن الجمهور السعودي كان أكثر من أي دولة في العالم، ووصل عددهم إلى 70 ألفاً، وهم عشاق لكرة القدم بشكل كبير». ويضيف سولهيكول: «باتت لدى السعودية خبرة في استضافة الأحداث الرياضية، وهذا يتوافق مع حديث المسؤولين الرسميين في البلاد، وبالنظر إلى أن تنظيم كأس العالم 2034 سيكون بين قارة آسيا ومنطقة أوقيانوس فلا تحتاج للتفكير كثيراً فيمن سيفوز بتنظيمه، ستكون السعودية»، مستطرداً أن «دعم القيادة السعودية يجعلني لا أعتقد أن هناك أحداً يمكنه منافسة ملف السعودية، خصوصاً أن أمامهم زمناً كافياً حتى ذلك الوقت».