- سام كابرال
- بي بي سي نيوز، واشنطن
يُعد ميتش ماكونيل زعيم الحزب الأطول خدمة في تاريخ مجلس الشيوخ الأمريكي، ولكن قد تكون فترته في منصبه قد اقتربت من نهايتها وسط قلق شديد حول صحته.
في عصر يفخر فيه العديد من السياسيين كبار السن بكونهم “ابتعدوا عن السياسة”، يعد الرجل البالغ من العمر 81 عاما من السياسيين الدائمين وشخصا بارعا في المؤسسة السياسية في العاصمة واشنطن.
فمن خلال تمثيله لولاية كنتاكي في مجلس الشيوخ منذ عام 1985، اكتسب سمعة باعتباره مناضلاً ذكياً وتكتيكياً، حتى وإن لم يجده الجميع شخصية جذابة.
كما تم انتخابه 9 مرات من قبل زملائه الجمهوريين في مجلس الشيوخ ليكون زعيمهم، وهو الدور الذي كان فيه على رأس بعض القرارات الأكثر أهمية في واشنطن.
وقد اكتسب ماكونيل الذي اتسم بالغموض، والقابلية للتكيف، والتشدد في إبرام الاتفاقات، بعض المعجبين المتحفظين، وكذلك بعض المنتقدين الكارهين.
من شلل الأطفال إلى السياسة
ولد أديسون ميتشل ماكونيل الثالث في ألاباما عام 1942 لأبوين من الطبقة العاملة من أصول إنجليزية واسكتلندية أيرلندية.
في سن الثانية، أصيب بمرض شلل الأطفال، مما أدى إلى إصابة جزء من ساقه اليسرى بالشلل، الأمر الذي جعله عرضة للتنمر من قبل الأطفال الآخرين.
وقد نسب الفضل إلى إعادة التأهيل البدني المكثف وحرص الأم على التأكد من قدرته على المشي مرة أخرى. وأضاف أن عائلته كادت أن تفلس لتغطية تكاليف علاجه.
انتقلت عائلة ماكونيل إلى كنتاكي في عام 1956 حيث أصبح الابن أديسون ميتشل ماكونيل رئيسا لمجلس الطلاب في المدرسة الثانوية وفي جامعة لويزفيل، حيث تخرج بمرتبة الشرف في عام 1964.
جاءت أول تجربة له في الكابيتول هيل عندما كان متدربا يبلغ من العمر 22 عاما لدى السيناتور الجمهوري جون شيرمان كوبر من كنتاكي، وهي التجربة التي أقنعته “بمحاولة دخول مجلس الشيوخ إذا أتيحت لي الفرصة”.
وكانت أيضا فترة زمنية قال إنها عززت التزامه بالحقوق المدنية. لقد شاهد خطاب مارتن لوثر كينغ جونيور بعنوان “لدي حلم” من على درجات مبنى الكابيتول، ووقف بجانب رئيسه في قاعة الكابيتول المستديرة حيث تم التوقيع على قانون حقوق التصويت.
بعد تخرجه من كلية الحقوق بجامعة كنتاكي عمل كمساعد للمدعي العام في عهد الرئيس جيرالد فورد.
وفي عام 1977، نجح في الترشح لمنصب القاضي التنفيذي، وهو أعلى منصب سياسي في مقاطعته الأصلية في كنتاكي. ولم يخسر أي انتخابات منذ ذلك الحين.
وبصفته جمهوريا شابا من ولاية ذات ميول ديمقراطية، كان ماكونيل وسطيا أكثر واقعية مما هو عليه اليوم.
وعندما فاز بأول انتخابات له في مجلس الشيوخ، متغلباً على شاغل المنصب الديمقراطي في عام 1984، كانت هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها جمهوري على مستوى الولاية في كنتاكي منذ 16 عاماً.
المقاوم الرئيسي
وفي مجلس الشيوخ، تحول ماكونيل تدريجياً نحو الاتجاه المحافظ، مما أدى إلى سحب ولايته وحزبه إلى اليمين.
لقد حظي بدعم المجموعات العمالية في بداية حياته المهنية، لكنه أدار ظهره للنضال من أجل حقوق التفاوض الجماعي وزيادة الحد الأدنى للأجور.
وتحت شعار حرية التعبير، قاوم بشدة الجهود الرامية إلى الحد من الإنفاق على الحملات السياسية.
وباعتباره ممثلاً لولاية كنتاكي الغنية بالفحم، فقد نفى جهارا تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري لسنوات وعارض الأنظمة المناخية التي كثيرا ما ادعى أنها تشكل تهديدا للاقتصاد.
في عام 1993، تزوج ماكونيل من إيلين تشاو، وهي مهاجرة أمريكية من أصل تايواني انضمت لاحقا إلى حكومة الرئيسين جورج دبليو بوش ودونالد ترامب.
وقد تطورت صورته بعد أن انتخبه زملاؤه الجمهوريين في عام 2006 لقيادة تجمعهم في مجلس الشيوخ، وهو المنصب الذي لا يزال يشغله.
ومع دخول باراك أوباما البيت الأبيض، وقيام حركة حفلة الشاي الشعبوية (حركة سياسية أمريكية محافظة داخل الحزب الجمهوري بدأت في عام 2009، ودعا أعضاؤها إلى خفض الضرائب وخفض الدين الوطني وعجز الميزانية الفيدرالية من خلال خفض الإنفاق الحكومي) بتشكيل الحزب الجمهوري في صورته المناهضة للمؤسسة والمخالفة للأعراف، فهم ماكونيل التلميح.
لقد انتقد إصلاحات الرئيس في مجال الرعاية الصحية والمالية، وحقق أرقاما قياسية باستخدامه لأداة إجرائية تسمى المماطلة لإحباط أجندة أوباما، مما ساعد في تحويل مجلس الشيوخ إلى مجلس حزبي كما هو عليه اليوم.
وفي عام 2010، تصدر عناوين الأخبار عندما أعلن أن “الأولوية الأولى” لحزبه هي جعل أوباما رئيساً لولاية واحدة.
لكنه كان يعرف أيضاً متى يجب عليه أن يتوصل إلى حل وسط.
وفي عام 2012، أبرم اتفاقاً في اللحظة الأخيرة مع نائب الرئيس آنذاك جو بايدن لإنقاذ البلاد من التخلف الكارثي عن سداد ديونها العامة. وفي العام التالي، ساعدت اجتماعاته مع القادة الديمقراطيين في إنهاء إغلاق الحكومة.
واستعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ في عام 2014 وحقق ماكونيل حلمه في أن يصبح زعيم الأغلبية.
المحكمة العليا
اكتسب ماكونيل لقب “قابض الأرواح” الذي يرحب به حيث أنه يعرقل بشكل روتيني المبادرات التي يقودها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ .
ولعل أشهر أعمال العرقلة التي قام بها جاءت في عام 2016 عندما رفض السماح لأوباما، في سنته الأخيرة في منصبه، بملء مقعد شاغر في المحكمة العليا.
وأثارت هذه الخطوة غضب الديمقراطيين، لكنها أتت بثمارها في العام التالي عندما شغل، الرئيس المنتخب حديثا ترامب، المقعد بفقيه قانوني محافظ.
وشهدت سنوات ترامب إضافة قاضيين آخرين إلى المحكمة العليا في البلاد، مما عزز الأغلبية المحافظة التي بلغت 6-3 والتي أصدرت منذ ذلك الحين أحكاما تبعية بشأن الإجهاض وحقوق اقتناء السلاح والعديد من القضايا الأخرى.
كما ساهم التركيز المكثف لزعيم الأغلبية على تحويل السلطة القضائية في قيام ترامب بتعيين أكثر من 200 قاض فيدرالي جديد خلال فترة ولايته التي امتدت لأربع سنوات.
لكن تحالف ماكونيل وترامب كان غير مستقر منذ البداية وانفجرت خلافاتهما المتزايدة إلى العلن بعد أن ادعى الرئيس آنذاك زوراً أن انتخابات 2020 سُرقت منه.
وانتقده ماكونيل ووصفه بأنه “مسؤول أخلاقيا” عن هجوم يناير/كانون الثاني من عام 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي، على الرغم من أنه لم يصوت لصالح عزل ترامب بسبب ذلك.
واشتد الخلاف منذ ذلك الحين، حيث هاجم ترامب زوجة ماكونيل، وسخر السيناتور من مكانته “المتدنية”.
هل حان وقت التقاعد؟
ولم يواجه ماكونيل أبدا معارضة جدية لمقعده في مجلس الشيوخ أو دوره القيادي، لكن الاستطلاعات تظهر أنه أحد أكثر السياسيين الذين لا يتمتعون بشعبية في البلاد.
ولم تكسبه تكتيكاته سوى القليل من المشجعين الديمقراطيين، على الرغم من أن أحد زملائه في كنتاكي وصفه ذات يوم بأنه “تايغر وودز السياسة”، في حين أن الجناح الأيمن من حزبه يكره على نحو متزايد شخصا يعتبرونه وحش المستنقع.
في الوقت الحالي، يتخذ ماكونيل موقفا أخيرا إلى حدٍ ما.
لقد دعا بقوة إلى استمرار حزبه في الدفاع عن أوكرانيا في حربها ضد روسيا والابتعاد عن ميول ترامب نحو برنامج يحظى بجاذبية أوسع للناخبين.
لكن ربما قام منتقدو ماكونيل بشحذ سكاكينهم في الأشهر الأخيرة وسط مخاوف متزايدة بشأن صحته.
فقد غاب عن تصويت مجلس الشيوخ لمدة 6 أسابيع تقريبا في وقت سابق من هذا العام بعد سقوطه في أحد فنادق العاصمة وتعرضه لارتجاج في المخ.
وأفادت وسائل الإعلام الأمريكية أيضا عن تعرضه لثلاثة حوادث سقوط أخرى في عام 2023، حيث ذكرت شبكة إن بي سي نيوز أنه يستخدم أحيانا كرسيا متحركً للتنقل عبر المطارات.
وفي الشهرين الماضيين، تجمد مرتين بشكل مفاجئ في المؤتمرات الصحفية. وفي المناسبتين، قال مكتبه إنه توقف ببساطة لأنه “شعر بدوار”.
ظل ماكونيل متحفظا بشكل عام وحذرا بشكل خاص فيما يتعلق بالمسائل الصحية، وقد تجاهل التكهنات بأنه قد لا يتمكن من إكمال فترة ولايته.
لكن مستقبله كعضو في مجلس الشيوخ وزعيم للحزب يبدو في خطر أكبر من أي وقت مضى.