التخطي إلى المحتوى

اليوم الوطني فرصة لاستذكار بطولات الملك المؤسس في توحيد المملكة

خطى واثقة نحو مستقبل مُشرق

في كل عام تحتفل المملكة العربية السعودية باليوم الوطني لتوحيدها الموافق 23 سبتمبر، وهذا التاريخ يعود إلى المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- برقم 2716، وتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، الذي قضى بتحويل اسم بلادنا من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق للأول من الميزان، والموافق ليوم 23 سبتمبر من عام 1932م، وليتخذ بعد ذلك ذكرى لتوحيد المملكة العربية السعودية، وتأسيسها على يد الملك عبدالعزيز، والذي أعلن قيام المملكة في عام 1932م، وقد اختير هذا اليوم في السابع عشر من شهر جمادى الأولى في عام 1351 هجري، إذ تمّ إصدار المرسوم الملكي بتوحيد جميع أجزاء الدولة السعودية الحديثة، لتصبح المملكة العربية السعودية، وهذا جاء نتيجة جهود الملك عبدالعزيز في تأسيس المملكة، والحفاظ على التاريخ، وإحياء التراث.

وفي هذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعاً نستذكر كل عام كيف تم إرساء قواعد المملكة تحت راية “لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” والتي كان من نتاجها أن بقيت ولاتزال -بإذن الله- بلادنا عقوداً طويلة يرفل فيها الوطن والمواطن بالاستقرار والعز والمجد والازدهار.

وساد الأمن والأمان والتآزر بين الشعب والقيادة، بقيادة المؤسس -رحمه الله- الذي قاد تلك الملحمة التي استأصلت الثالوث البغيض -الفقر والجهل والمرض- الذي طالما هيمن على هذه البلاد قبل توحيدها.

وكانت نتيجة هذه الملحمة نجاحاً منقطع النظير في شتى الميادين وعلى كل صعيد، وجاء من بعده أبناؤه البررة -رحم الله من مات منهم- وها نحن اليوم نعيش في العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- في هذا الصرح الشامخ، مجتمعين على وحدة الكلمة والصف، وعلى منهج ودستور قائم على كتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنَّة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

الملك عبدالعزيز أرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان لتتوحد القلوب في أرجاء البلاد

قيادة وشعب

وانتهج الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- في تعامله مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى وعلى التناصح مع الرعية واغتنام الفرص لتبادل الرأي والنصح مسترشدًا بما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، وكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه وتبعه في ذلك أبناؤه من بعده الأثر الكبير الذي انعكس على ما تعيشه المملكة من تطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين، لقد أدرك الملك عبدالعزيز بثاقب بصره أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيها، ما سهل عليه إدارة شؤون بلاده وتوطيد علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين وإقامة علاقات قوية مع المجتمع الدولي، لقد كان صريحًا في تعامله مع القضايا التي تهم أمته على الصُّعُد كافة وقد أثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في أقواله وأفعاله فكانت تلك الرؤية وذلك النهج القاعدة والأساس القويم الذي تسير عليها المملكة في جميع تعاملها داخليًا وخارجيًا.

عمل بصمت

وبالمناسبة ففي الخطاب الذي ألقاه الملك المؤسس -رحمه الله- في المأدبة الكبرى التي أقامها لكبار حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة في 9 ذي الحجة عام 1364هـ الموافق 15 نوفمبر 1945م خصّص الجانب الأكبر من خطابه للحديث عن قضية فلسطين حيث قال: “إنّ مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب في هذه الأيام، وهي المسألة التي يجب أن تكون موضع عناية الجميع ومدار اهتمامهم، ومع أنني لا أحب كثرة الكلام وأفضّل العمل الصامت المثمر فإنني أقول بصراحة: إنّ السكوت عن قضية فلسطين لا يوافق المصلحة وقد سبق لي أن تكلمت مع أركان الحكومة البريطانية كما تحدثت مطولاً مع الرئيس روزفلت وذكرت بكل صراحة الحيْف الذي أصاب إخواننا عرب فلسطين والإعنات والقهر اللذين خضعوا لهما وطالبت وطلبت من الرئيس الراحل إنصاف عرب فلسطين إن لم يكن بالمساعدات الفعلية فعلى الأقل الوقوف على الحياد وعدم مساعدة اليهود عليهم”.

واليوم تمر بنا مناسبة اليوم الوطني ونحن نعيش واقعًا مشرقًا أرساه المؤسس الباني الملك عبد العزيز، ذاك البطل الذي قال: “أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، أنا رجل عمل إذا قلت فعلت وعيب علي في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل وهذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبدًا”، نعم كان صادق القول، إذا قال عمل وإذا عمل أنجز، كان صاحب مبدأ وصاحب منهج سار عليه أبناؤه من بعده متلمسين خطاه مع إضافة المزيد من الإنجازات التي تسجل لهم في التاريخ بمداد من ذهب، ومن عام إلى عام ومع كل احتفاء بيوم الوطن، نستذكر ذاك القائد العظيم ويحتفل الوطن بمنجزاته ومن جاء بعده من أبنائه البررة.

مواجهة التحديات

ونستذكر في هذا التقرير أجزاءً من شخصية الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- مؤسس وطننا العظيم القائد الملهم جيلاً بعد جيل، فهو الذي أفنى عمره في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من ثمانية عقود تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، ليؤسس -بفضل الله تعالى- دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.

ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1293هـ بحسب ما ورد في مجلد طبعته دارة الملك عبدالعزيز عن سيرة وشخصيته ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة، ومدينة الرياض تقع وسط الجزيرة العربية بنجد، وكان أقدم ذِكر لموقع الرياض في المصادر التاريخية يعود إلى عام 715 ق م، وذلك في سياق ذكر مدينة حجر التي فقدت قيمتها في القرن العاشر الهجري، وتناثرت إلى قرى صغيرة مثل: العود، والبنية، ومعكال، والصليعاء، وجبرة، وهي أماكن لا يزال بعضها معروفًا إلى الآن في مدينة الرياض.

شخصية قوية

ولا غرو أن يصرَّ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على إعادة الرياض التي تعد امتدادًا تاريخيًا لمسيرة الآباء والأجداد، وولد وترعرع فيها، ونهل من علمائها بعد أن عهد به والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود -رحمه الله- إلى القاضي عبد الله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة وهو في سن السابعة من عمره، وفي سن العاشرة تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، وبالتوازي مع ذلك كان الملك عبدالعزيز يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية، وتأثرت شخصيته كثيرًا بشخصيّة والده الإمام عبدالرحمن الفيصل –رحمهما الله– حيث كان أبًا وُمعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه، فضلاً عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلاً وتدبيرًا، وكان محبًا لإخوته (خالد، فيصل، فهد، محمد، نورة)، لكن علاقته بالأميرة نورة -رحمها الله- كانت أكثر حميمية، واحتلت مكانة كبيرة في نفسه -رحمه الله-، حتى إنه ينتخي بها بالقول: “أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار”، ويحرص على زيارتها يوميًا في منزلها، وللملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وصورة باسمة مشرقة بأسارير متهلّلة بما عُرف عنه -رحمه الله- من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلّفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلاً عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجلاً قدوة في أفعاله وسلوكياته.

وُعرف عن الملك عبدالعزيز احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته –رحمه لله–، فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة، وأن احترامهم وحسن العلاقة بهم والاستئناس بآرائهم واجب تمليه العقيدة الإسلامية التي ظل مطبقًا لمنهجها –رحمه الله– في حياته الخاصة والحياة العامة في البلاد، ومضى على ذلك النهج من بعده أنجاله الملوك البررة.

تتابعت المنجزات وتوالت العطاءات وتواصل البناء خدمةً للوطن والمواطن

فجر جديد

وبزغ فجر اليوم الخامس من شهر شوال من العام 1319هـ إيذانًا بعهد جديد حيث استعاد الموحّد الباني الملك عبد العزيز -رحمه الله- مدينة الرياض ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام فوضع أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويمضي بنا هذا التاريخ الجميل لنعيش معاني قوة الرجل الباني المؤسس الملك عبدالعزيز ورجاله الذين وبرغم قلة عددهم وعتادهم انطلقوا من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاد حتى جمع الله به الصفوف وأرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان لتتوحد القلوب على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكذلك أرجاء البلاد، حيث أينعت حينها تلك الجهود أمنًا وأمانًا واستقرارًا وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة، وانطلاقًا من النهج الإسلامي القويم دعا -رحمه الله- إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم إسهامًا مميزًا في تأسيس جامعة الدول العربية وفي الأمم المتحدة عضوًا مؤسسًا، كما سجّل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية، ومرّ الملك عبدالعزيز بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة، خاصةً منذ أن بلغ سن الخامسة عشرة، لكن هذه الأحداث أسهمت في صقل شخصيته حيث تعلّم منها الصبر والقوة والإقدام.

رحلة بطولية

وعدّ المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز مع والده الإمام عبد الرحمن –رحمهما الله– وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة “يبرين” في الأحساء ثم البحرين إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات ظل فيها الملك عبد العزيز معلق القلب بالرياض، و”يبرين” -التي اتخذها الملك المؤسس مقرًا له لتنفيذ خطته في إعادة الرياض- تعد واحةً من واحات الأحساء بمحاذاة رمال الربع الخالي من الشمال، وعندما بلغ الملك عبدالعزيز سن العشرين من عمره وهو في الكويت توجه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية وملحمة ميمونة قاد مسيرتها بصحبة رجاله ليتمكنوا بفضل الله تعالى من اختراق جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة، صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد وهم في موقع يطلق عليه “أبو جفان”.

وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى “ضلع الشقيب” الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس لم تدم طويلًا، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر في الرياض، معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض، فدبّ الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو والازدهار الحضاري.

لملمة الشتات

وتمكن الملك عبدالعزيز –رحمه الله– عبر رحلة طويلة أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكاً لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبحت لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع، واهتم الملك عبد العزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق الأول من برج الميزان 23 سبتمبر 1932م.

واهتم الملك عبدالعزيز عند بداية تنظيم بلادنا بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.

ذهب أسود

وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد وانتعاشها، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، لكن مضت أربعة أعوام عجاف لم تثمر أعمالها عن الوصول إلى نتيجة إيجابية مرضية لاكتشاف مكامن النفط، إلى أن قرّر الخبراء التنقيب حول بئر ماء في منطقة تسمى “عين جت” كان الملك عبدالعزيز قد توقّف عندها عام 1319هـ في طريقه من الكويت إلى الرياض، فكانت المفاجأة وجود النفط على عمق خمسة آلاف قدم تحت الأرض، وانتعشت الأرض الصحراوية بخروج الذهب الأسود الذي حوّل الصحراء القاحلة المؤنسة بهبوب الرياح إلى مدينة مزدحمة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط.

وفي عام 1939م ضخ النفط أول بشائره في احتفال شهده الملك عبدالعزيز –رحمه الله-، ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها، وكان اهتمام المؤسس بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة بقرارها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.

ترجّل الفارس

وفي شهر محرم من عام 1373هـ ترجّل الفارس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عن صهوة جواده بعد أن اشتد عليه المرض أثناء إقامته في الطائف، وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه إلى بارئها، تُوفي بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد لتظل -ولله الحمد- في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر، وُوري جثمان الملك عبدالعزيز في مقبرة العود وسط مدينة الرياض، رحل والدنا بعد أن أرسى منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه، وكان الملك سعود -رحمه الله- أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة، وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل -رحمه الله- فتتابعت المنجزات الخيّرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية، وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافرًا بتسلم الملك خالد -رحمه الله- الأمانة فتواصل البناء والنماء خدمة للوطن والمواطن بخاصة والإسلام والمسلمون بعامة واتصلت خطط التنمية ببعضها لتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار.

شمولية وتكامل

وازداد البناء الكبير عزًا ورفعة وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- ملكًا على البلاد، حيث تميزت الإنجازات في عهده بالشمولية والتكامل لتشكل عملية تنمية شاملة في بناء وطن وقيادة حكيمة فذّة لأمة جسّدت ما اتصف به الملك فهد بن عبد العزيز من صفات عديدة من أبرزها تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله وتفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني أجمع.

وشهدت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -رحمه الله- المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد الوطن في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة والاقتصاد، ونعيش اليوم جميعنا حاضرًا مميزًا، ونتطلع لمستقبل أكثر تميّزًا، تملؤنا الثقة بذلك إيمانًا وثقة بعنوان المرحلة سلمان بن عبد العزيز الذي بذل وما زال -حفظه الله- منذ توليه الحكم في المملكة، جهدًا في المضي قدمًا بمسيرة الوطن، فقد تعدّدت نشاطاته في المجالات المختلفة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي تعددًا سبقه نشاطات في مراحل مختلفة تقلّد خلالها العديد من المناصب، وفي مملكتنا الغالية يحق لنا أن نفاخر بالقول إن القلوب توحدت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتوحدت أرجاء البلاد وأينعت تلك الجهود أمناً وأماناً واستقراراً وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة، ومع كل عام يتدفق سيل الإنجازات لوطن يسير بخطى حثيثة وواثقة نحو مستقبل ومكانة مميزتين إقليمياً ودولياً.

نعيش اليوم واقعاً حافلاً بالمشروعات الضخمة تحت ظل رؤية 2030

تقدم ورقي

واليوم تحل علينا هذه المناسبة العظيمة ألا وهي احتفاء المملكة قيادةً وشعباً في كل عام وبالتحديد في يوم 23 سبتمبر باليوم الوطني، وهذا العام توافق ذكرى الثالث والتسعين للمملكة، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، ويستذكر أبناء هذا الوطن العظيم ومن يقيمون على أرضه المباركة يومًا مجيدًا أضحى فيه الإنسان السعودي شامخًا يعتز بدينه ووطنيته تحت ظل حكومة راشدة ارتأته ووضعته أول أهدافها نحو تطويره وتمكينه ليرتقي بين شعوب العالم بكل فخر وعزة، حاملاً لقب المواطن السعودي،

ويستحضرون هذه المناسبة وهم يعيشون اليوم واقعًا جديداً حافلاً بالمشروعات التنموية الضخمة ومشاريع الرؤية الحكيمة التي تقف شاهدًا على تقدم ورقي المملكة أسوة بمصاف الدول المتقدمة وشاهداً على كيان عظيم يتصف بالنمو والأمان والطموح والعزيمة والإصرار على تحويل المستحيل واقعاً ملموساً على أرض وطننا العظيم.

جبل طويق

ويعيش أبناء المملكة صور وملاحم ذلك التاريخ وأكفهم مرفوعة اليوم بالدعاء إلى الله -عز وجل- أن يجزي الملك عبدالعزيز -رحمه الله- خير الجزاء، فله الفضل بعد الله فيما نحن فيه من نعم كثيرة، يرفعون أكفهم بالدعاء لكل ملوكنا الذين تعاقبوا خدمة للإسلام والمسلمين بعد وفاته -رحمهم الله جميعًا- وأطال الله عمر قائد مسيرتنا ومصدر فخرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه-، وتتجدد سنوات الاحتفال باليوم الوطني ففي عام 2018م، ولأول مرة تم فيها إطلاق شعار رسمي للاحتفال بهذه الذكرى، حيث أطلقت وزارة الإعلام السعودية ممثلة بمركز التواصل الحكومي، هوية وشعار اليوم الوطني الـ88 للمملكة وجاء شعاره بعنوان “للمجد والعلياء”، وفي ذكرى اليوم الوطني الـ89 دشنت الهيئة العامة للترفيه هوية اليوم الوطني الـ89 تحت شعار “همة حتى القمة”، وفي ذكرى اليوم الوطني الـ90 أطلقت الهيئة العامة للترفيه الهوية الإعلامية الموحدة اللفظية والبصرية تحت شعار “همة حتى القمة”، والتي استلهمت من مقولة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، “همة السعوديين مثل جبل طويق”، وفي اليوم الوطني 91 و92 دشن تحت شعار “هي لنا دار”.

وصلنا إلى مصاف الدول المتقدمة عاقدين العزم على تحويل المستحيل واقعاً

نحلم ونحقق

وفي هذا العام أطلق المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ -رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه- الهوية الجديدة لليوم الوطني الـ93 للمملكة العربية السعودية والذي يصادف الـ23 من سبتمبر من كل عام تحت شعار “نحلم ونحقق”، واستلهمت الهوية من الأحلام التي أصبحت قريبة وواقعية في كل مناحي حياة سكان المملكة، إذ انعكست بوضوح على مشاريع ضخمة راهنت عليها المملكة في رؤية السعودية 2030، وهو ما جعلها ترسخ من قوتها ومكانتها لمواصلة تقديم دورها المهم والمحوري على جميع الأصعدة، وجاء الشعار الفني كفُرشة رسام حالم يخط أحرفه بعذوبة وانسيابية تتجاوز حدود السماء ويرسم حدود أرض المملكة التي تحتضن الحلم، بعزيمة وإصرار تجعل منه حقيقة ثابتة راسية كالجبال، فبخط اليد كتبت الأحلام لترسخ في الأذهان، هكذا يخطط الحالمون أهدافهم بالحياة ليبدؤوا رحلة التحقيق بخطوات مدروسة وواثقة، فيما استلهمت الألوان من ألوان الخفاق الأخضر وطبيعة الأراضي الغنية لمملكتنا الحبيبة.

الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحّد أرجاء الوطن وأرسى الأمن داخله

نعيش اليوم عصراً زاهراً بقيادة خادم الحرمين وولي عهده الأمين

لم تكن رحلة المؤسس سهلة خلال استعادته الرياض