كتاب «سـِيري» يواكب حياة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن
يسعى كتاب «امرأة في مسار البناء: نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود (حياتها ودورها)»، الذي صدر مؤخراً عن دار جداول للمؤرخة السعودية الدكتورة دلال الحربي، إلى تقديم سيرة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن -رحمها الله- بطريقة مختلفة، حيث يتجاوز التركيز على المشهد السياسي ليستكشف الجوانب النفسية والمألوفة التي لم تُناقش من سيرة هذه الشخصية النسائية الاستثنائية في تاريخ المملكة.
ويهدف الكتاب إلى تقديم صورة حقيقية للأميرة نورة ودورها في خدمة وطنها المملكة العربية السعودية، من خلال قراءة الأحداث والمواقف بعيون عامة تساعد على فهم تكوين شخصيتها ومسار حياتها الذي امتد 70 عامًا تقريبًا.
ويستخدم الكتاب نمطًا يعتمد على قراءة نصوص قصيرة لاستنتاج ملامح شخصية الأميرة نورة، ويعرض هذا النهج بُعداً شاعرياً وعاطفياً بين الباحثة والشخصية المدروسة. ويسلط الضوء على طفولتها وشبابها وإصرارها وجديتها في الوقوف إلى جانب شقيقها الموحّد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ودعمها الواضح له في المشهد الاجتماعي.
واجتهدت الباحثة في جمع المعلومات حول الأميرة نورة بنت عبدالرحمن من مصادر متعددة باللغة العربية ولغات أخرى، واستفادت من الأرشيف البريطاني والمكتبة البريطانية والأرشيف الفرنسي والأرشيف العثماني. وتواصلت مع أفراد من أسرتها وأشخاص ذوي معلومات عنها للحصول على وثائق ومعلومات محلية تتعلق بحياة الشخصية التي تدور حولها مباحث الكتاب.
ويروي الكتاب أن الأميرة نورة وُلدت في فترة حكم والدها عبدالرحمن بن فيصل تحت ظل الصراعات والمخاطر المختلفة، ولا يوجد تاريخ دقيق لمولدها؛ نتيجة لعدم اهتمام الناس بتدوين تواريخ الميلاد في ذلك الوقت. وتراوح تقديرات تاريخ مولدها وفقًا للسنة من زيادة أو نقص في الأشهر، ويقدر أنها كانت في خريف عام 1875م، وبعد مولد الأميرة نورة بسنة أو بسنتين وُلِدَ شقيقها الملك عبدالعزيز، أي في عام 1876م.
ويعكس نمط نشأة نورة عادات المجتمع النجدي في تلك الفترة، حيث كانت النساء «المطوعات» يُعلمن البنات، خصوصاً إذا كن من الأسر الحاكمة. وعُنيت المطوعة منيرة بنت عيسى بن رضيان بتعليم الأميرة نورة، وكانت تدرسها القرآن والأحاديث وبعض الفقه وتفسير القرآن.
وشهدت الأميرة نورة في الثالثة عشرة من عمرها عام 1305هـ/ 1887م، أحداثاً مهمة في الرياض وخارجها، فقد واجهت الرياض ظروفًا صعبة في أثناء حصار ابن رشيد لها، وذلك مع تفشي مرض الجدري وانعدام الإمدادات والعلاج وتفاقم الحزن بوفاة فيصل بن عبدالرحمن نتيجة للمرض. وكانت تلك الأيام مريرة بالنسبة لنورة، حيث شهدت أحداثًا مؤلمة ومرهقة، وترك الحصار المستمر والمرض وفقدان شقيقها فيصل آثارًا عميقة في ذاكرتها.
وقد شهدت الأميرة نورة يوماً حاسماً في تاريخ المملكة العربية السعودية، هو الخامس من شوال عام 1319هـ (15 يناير 1902م)؛ ففي ذلك اليوم استعاد أخوها الملك عبدالعزيز الرياض؛ وبهذه العودة أُغلقت صفحة المعاناة التي عاشتها الأميرة نورة ومعها أهالي الرياض خلال عهد آل رشيد.
وعاصرت الأميرة بناء دولة سعودية تغطي معظم أراضي الجزيرة العربية، وتمتد من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، واستقرت عاصمتها في الرياض، وبدأت الدولة السعودية تنطلق في مسار التطور والتحديث، ونمت عاصمتها الرياض اقتصادياً وعمرانياً، مواكبةً للتطورات العامة.
وعاشت نورة في تلك الفترة حياة مستقرة، وكانت تستمتع بالتنقل بين الرياض والطائف، وبدا حرصها على أداء فريضة الحج، وكانت ترافق أخاها الملك عبدالعزيز في زياراته للحجاز. كما تميزت بالدأب على طلب العلم الشرعي الذي كان متاحاً آنذاك، وكان كبار العلماء يزورونها في المناسبات، وتناقشهم في مسائل علمية واجتماعية ذات صلة بالشريعة، وتحضر دروسًا في الفقه والحديث يقدمها بعض العلماء في قصرها.
وتميّزت الأميرة نورة بدور إنساني واجتماعي مهم في الدولة، حيث كانت شقيقة وصديقة صدوقة للملك عبد العزيز، وكاتمة لأسراره وهمومه. وكان يُكنّ لها حباً كبيراً واحتراماً ورعاية خاصة طوال حياتها، وظلت العلاقة بينهما قائمة على أساس المحبة والود، حيث كان الملك يهتم بشؤونها ويصغي إلى حديثها.
وأدّت الأميرة دوراً مميزاً وأساسياً في الحياة الأسرية، حيث كانت تُشارك في متابعة الشؤون العائلية، وكانت علاقتها بأبناء الملك عبدالعزيز وطيدة، واستغلت هذه العلاقة للمصلحة العامة، حيث كانت تستخدمها للتوسط في حل المشكلات وتقديم الدعم للأشخاص الذين يلجؤون إليها.
وتوصلت المؤلفة إلى أن نورة كانت تمثل بتأثيرها ما يعادل شخصية «السيدة الأولى» حالياً في الدول المعاصرة، وهو دور إنساني واجتماعي على مختلف المستويات، ولذلك اعتمد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عليها في عدد من المهمات، وكانت تستقبل الزوار الأجانب والزوجات والسيدات المهمات وتؤدي واجبات الضيافة، وتسهم إسهاماً ملحوظًا في تسهيل اللقاءات الاجتماعية والتواصل الأسري، ولها نفوذ كبير في الحياة الاجتماعية والثقافية للمملكة.
واستمرت الأميرة نورة في أداء ما تصفه الكاتبة بـ«مهمات السيدة الأولى» حتى في أثناء فترة مرضها، وظلّت طوال حياتها نموذجًا لإمكانيات قوة الشخصية وحسن التدبير والمهارات التربوية والاجتماعية لدى نساء المملكة. حيث كانت تُعرف بشخصيتها القوية، وكان شقيقها الملك عبدالعزيز يحترمها ويثق بها كثيرًا. وتركت بصمة واضحة على المجتمع الذي عاشت فيه بأكمله.
*كاتبة ومترجمة