حذّر الجيولوجي وخبير المياه المصري عباس شراقي من خطر تكرار سيناريو درنة في سد النهضة، حيث ربط في منشور له على صفحته في فيس بوك، بين انهيار السدين في ليبيا وما نجم عنه من فيضانات كارثية أوقعت آلاف القتلى ودمارا هائلا في البنى التحتية، وبين مخاطر أن تتكرر المأساة في المشروع الإثيوبي المائي العملاق المثير للجدل أصلا بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وحلل شراقي ما حدث في ليبيا من تراكم لعدة عوامل بشرية وأيضا طبيعية ساهمت في وقوع الكارثة. وأوضح بأن “سد النهضة أكبر من السدين (الليبيين) معا بحوالي 3000 مرة، ومنطقة سد النهضة تزيد عن درنة في خطورة الفيضانات السنوية والانحدارات الشديدة والنشاط الزلزالي الأكبر في القارة الأفريقية”.
اقرأ أيضافيضانات ليبيا: “سمعنا صوت انفجار السد، أطفال ورضع غرقوا”.. شهادات مؤلمة عن مشاهد مروعة
وجاءت هذه التصريحات بعد مأساة ليبيا لكن أيضا بعد إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الأحد عن اكتمال عملية تعبئة سد النهضة الضخم على النيل الأزرق، والذي يُقدّم على أنه الأكبر في أفريقيا، ما يهدد بإحياء التوترات الإقليمية مع مصر والسودان الواقعتين عند مجرى النهر. وفورا، نددت مصر بإعلان إثيوبيا أنها أتمت ملء السد مؤكدة أن هذا الإجراء يشكل “مخالفة قانونية”.
انهيار يشابه تسونامي اليابان عام 2011
يعد السد حيويا بالنسبة لأديس أبابا وقد بلغت تكلفته أكثر من 3,7 مليارات دولار، وهو في قلب صراع إقليمي منذ أن بدأت إثيوبيا العمل فيه في 2011. وأثار عباس شراقي دراسة علمية سابقة له كانت قد نشرت في مايو/أيار 2011 عن هذا المشروع، حيث كشف عن بعض ما ورد فيها خصوصا المخاطر على المنطقة. ولعل من أبرز ما ورد فيها أن من أضرار سد النهضة: “زيادة فرص تعرض السد للانهيار نتيجة العوامل الجيولوجية وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق والتي تصل في بعض الأيام (سبتمبر) إلى ما يزيد عن نصف مليار متر مكعب يوميا ومن ارتفاع يزيد على 2000 متر نحو مستوى 600 متر عند السد، وإذا حدث ذلك فإن الضرر الأكبر سوف يلحق بالقرى والمدن السودانية خاصة الخرطوم التي قد تجرفها المياه بطريقة تشبه التسونامي الياباني عام 2011”.
وأضافت الورقة البحثية التي أشرف عليها شراقي: “هناك فرص أكبر لحدوث زلزال بمنطقة الخزان (سد النهضة) نظرا لوزن المياه التي تم استقدامها إلى هذه المنطقة والتي هي عبارة عن بيئة صخرية متشققة”.
ينبغي خفض سعة سد النهضة إلى مستوى آمن
وعن هذا الموضوع، أوضح د. عباس شراقي في تصريح لفرانس24 بأن “سد النهضة معرض للانهيار لأسباب جيولوجية بشكل رئيسي. حيث أن زيادة سعة الاستيعاب جاء لعوامل سياسة وتم دون وجود دراسات علمية دقيقة، رغم أن إثيوبيا هي من منطقة زلزالية نشطة وتقع في المنطقة الأخدود الأفريقي وهي أيضا منطقة بركانية، وهي مكونة إذن من صخور بازلتية نارية بركانية تتحلل بمياه الأمطار، والتي تتساقط بكميات غزيرة خلال فصل الصيف خصوصا شهري أغسطس/آب وحتى سبتمبر/أيلول. إضافة إلى ذلك وجود انحدارات كبيرة حيث إن السد على علو حوالي 500 متر عن سطح البحر، فيما أن البحيرات أعلى ما يوجد انحدارات شديدة تكون عالية الخطورة في حال وقوع فيضانات”.
وضرب شراقي مثلا عن تجربة إثيوبيا السابقة مع تشييد السدود، مثل ما حدث في عام “2007 لسد تاكيزي الذي شهد انهيارا جزئيا أودى بحياة 47 من عمال الشركة الصينية التي كانت تعمل عليه نتيجة فيضان المياه من أعلى السد. كما هناك تجربة نهر أومو الذي يصب في بحيرة تركانا وقد سعت إثيوبيا لإقامة مشاريع عليه مثل مشروع نفق جيبا 2 الذي انهار نتيجة فيضان محمل بالطمي وقد تم افتتاحه في 10 يناير/كانون الثاني لكنه انهار لاحقا”.
اقرأ أيضافيضانات ليبيا: أشخاص عالقون يستغيثون لإنقاذهم والسدود كانت في وضع ينذر بكارثة
كذلك، قال الجيولوجي المصري إن “عوامل الانهيار المحيطة بسد النهضة الإثيوبي هي غير موجودة في منطقة السد العالي بمصر، والتي هي غرانيتية ولا تتواجد فيها فوالق كبيرة أو جبال أو انحدارات شديدة، كما أنها تفتقر إلى التساقطات المطرية ولا تشهد حدوث فيضانات. كما أنها منطقة مستقرة من ناحية الزلازل”.
وبالنسبة إلى السعة الآمنة من المياه التي ينبغي أن يكتفى بها لجعل سد النهضة آمنا، قال شراقي: “المطلوب خفض السعة التخزينية لسد النهضة إلى سعة أقل من 40 كليار متر مكعب حتى يكون آمنا بشكل أفضل”.
سيناريو انهيار سد النهضة يظل ماثلا وعلى السودان الاستعداد
من جانبه، قال محمد خليفة صديق أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في السودان: “مع التأكيد أن الحالة الليبية في درنة تختلف عن حالة سد النهضة جيولوجيا ومناخيا، لكن سيناريو انهيار سد النهضة يظل ماثلا. خاصة وأن هناك سدود انهارت من قبل في إثيوبيا مثل مشروع سد جيبا 2 الذي انهار ثلاث مرات، وكان اَخر انهيار بعد افتتاحه بـ10 أيام فقط. قد يكون الإشكال في سد النهضة نفسه والسد الركامي لأن مسألة أمان السد لا تجد اهتمام إثيوبيا رغم النص عليها في اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم في مارس/آذار 2015 البند الثامن: مبدأ أمان السد، لأن السد حال انهياره لن تتضرر منه إثيوبيا لأنه يقع قريبا من الحدود السودانية، ومنطقة السد أصلا كانت أراض سودانية حتى 1906”.
يضيف خليف: “لكن حتى ولو تمت مسألة الأمان بأفضل المواصفات، فلا توجد أي ضمانات بعدم وجود كوارث طبيعية، مثل الزلازل خاصة وأن السد يقع بمنطقة الأخدود الأفريقي العظيم، بجانب الفيضانات الشديدة والأعاصير المدمرة في ظل التغير المناخي الذي يجتاح العالم. في ظل التعنت الإثيوبي واستمرار المفاوضات اللولبية بين الأطراف بلا طائل منذ أكثر من عشر سنوات، لا بد أن يتعامل السودان مع تهديدات سد النهضة بجدية ويبحث طرق علمية ومعالجات غير تقليدية للتعامل مع تهديد انهيار سد النهضة، مثل حفر ترعتين شمال سد النهضة داخل إثيوبيا واحدة في اتجاه شمال شرق وواحدة في اتجاه الغرب لاستيعاب أي مياه تنجم عن انهيار السد أو حفر ترعتي كنانة والرهد داخل الأراضي السودانية. توجد أفكار أخرى طرحها متخصصون يجد أن تؤخذ على محمل الجد. برغم أن احتمال الانهيار قد يكون ضعيفا بحسب الخبير المصري أسامة الباز الذي يرى أن الشركات العالمية والجهات المساهمة في بناء السد والتي أنفقت الملايين، ما كانت لتفعل ذلك إلا وهي على يقين من أن أموالها في محلها، وأن دراسات السد سليمة”.
“محاولات لشيطنة مشروع سد النهضة وإثيوبيا”
في المقابل، قال ياسين أحمد بعقاي رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: “بالنسبة إلى سد النهضة وتصريحات د. عباس شراقي، فليس هناك أوجه التشابه بين انهيار السدين في مدينة درنة الليبية والتنبؤ بانهيار سد النهضة في إثيوبيا، أولا بالنظر إلى الأسباب التي أدت إلى انهيار السدين في ليبيا، حيث إن الكارثة وقعت بسبب إعصار دانيال وكثير من الخبراء الليبيين منهم رمضان حمزة والمتحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي أسامة علي، يؤكدون على أن عدم صيانة السدين في درنة كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات، فالأسباب الرئيسية لكارثة درنة تتعلق بأن السدود في مناطق النزاعات أو الحرب قد يتم إهمال صيانتها بشكل دوري، وهو حال ليبيا منذ 2011 وحتى الآن. أما فيما يتعلق بسد النهضة فهناك دراسات أجريت على أمان وموقع السد وهو آمن بالنسبة إلى الزلازل وبني على أساس دراسات ومعدل أمان في مستوى عال. أشرفت عليه شركة إيطالية وي بيلد Webuild المعروفة بمسمى ساليني Salini والتي بنت العشرات من السدود في العالم. وكذلك كان هناك لجنة من الخبراء متكونة الدول الثلاث من إثيوبيا ومصر والسودان، إضافة إلى لجان أخرى دولية من فرنسا وهولندا، هذه اللجان الفنية المكونة من الخبراء قدمت دراسات حول سلامة وأمان السد”.
وتابع ياسين أحمد بعقاي: “هنا أستشهد بعالمين في الجيولوجيا، المصري فاروق الباز الذي أكد مرارا وتكرارا أن منطقة بناء السد آمنة من الزلازل ومبنية على أسس علمية، والعالم السوداني سلمان محمد أحمد سلمان الذي أكد أيضا وقال إن سد النهضة مبني على أسس علمية وليس في منطقة زلزالية وبني على أسس تكنولوجية وتقنية عالية. هناك الآن حملة إعلامية مصرية لتوظيف هذه الكوارث الطبيعية مثل ليبيا والمغرب وسوريا وتركيا في تخويف الشعوب العربية وخلق فزاعة حول انهيار سد النهضة. لكن لماذا يتنبؤون بانهيار سد النهضة وليس السد العالي؟ علما بأن الأخير بني قبل ستين سنة بتكنولوجيا وخبراء فنيين من الاتحاد السوفياتي سابقا وفق معايير وجودة ذلك الوقت. لماذا تهدد الكوارث الطبيعية فقط سد النهضة؟ هناك محاولات لشيطنة مشروع سد النهضة وإثيوبيا”.
أمين زرواطي