في كل زمان ومكان، هناك أحداث تترك بصماتها، لكن قليلة هي تلك التي تحفر في الذاكرة كإعصار “دانيال”. أثر هذا الإعصار لم يكن فقط في الأرض والمباني، ولكن في قلوب الناس أيضًا. عندما يفرق إعصار بين أحبة أو يجمعهم في الموت، فهو حتماً مأساة غير متوقعة وقاسية حينما ضرب “دانيال” الشرق الليبي، لم يكن الجميع مستعدًا لما سيحمله من فوضى. كان الإعصار الشرس قد خطف الأحبة وتسبب في فقدان الكثيرين. المأساة لم تكن فقط في الدمار الذي خلفه، ولكن في القلوب المكسورة التي تركها وراءه.
قصص الفراق والألم
تجسد قصة الأب من درنة، الذي تحدث لقناة المسار الليبية، الألم الحقيقي الذي عاشه الناس. قال وهو يحاول أن يجمع كلماته: “أنا من شارع البحر، وابني مات، الله يتقبله”. فالفجيعة لم تكن فقط في فقدانه لابنه، ولكن في محاولته لفهم لماذا؟ وبالرغم من الألم الذي أثاره الإعصار، فإن قوة الروح الإنسانية لا تزال تتألق في الظلام. الأهالي في الشرق الليبي يقفون معاً، مواسين بعضهم البعض، ومحاولين إعادة بناء ما دمره دانيال. ومع كل قصة حزن، هناك قصة أمل تنشأ.
الحياة تستمر، وبالرغم من الجروح والفجائع، فإن قوة الإرادة والأمل ستدفع الناس للمضي قدمًا. يجب أن نتذكر الأحبة الذين فقدناهم، ولكن يجب أيضًا أن نجد القوة لنبني مستقبلًا أفضل.
كانت الأمور تسير كما في أي يوم آخر، الشمس مشرقة والسماء صافية. لكن ما لا يعلمه الكثيرون هو أن هذا اليوم سيحمل في طياته قصة حزينة ستظل محفورة في ذاكرة أحدهم إلى الأبد. بين جدران منزل بسيط، كان الأب يروي تفاصيل اللحظات الأليمة التي فقد فيها ابنه بسبب سيل مفاجئ. مع كل كلمة، يسكن صدره وجع غير معروف.
“لقد كان هناك… مع أصدقائه، مرحًا ومبتسمًا كعادته. لكن السيل الغادر اجتاح كل شيء فجأة”، يقول الأب بصوت مكسوف بالحزن. تعاطفت المياه معهما للحظات، حيث حملتهما عاليًا نحو سقف المنزل، وهناك بقيا، متشبثين بأمل وحياة قادمة وبينما كان الأب يحاول الحفاظ على هدوئه، استمسك ابنه بيده، وبصوت مكتوم قال: “يا بوي، سامحني”. رد عليه الأب بكل حب: “أنا مسامحك، يا ابني”.
لحظات لا تُنسى وذكرى تبقى
كانت تلك الكلمات هي الأخيرة التي قيلت بينهما. فبعد هذا التبادل القصير من الكلمات، حاول الابن الوصول إلى باب المنزل، ولكن القدر كان له رأي آخر. خرج جسده، ولكن رأسه علق بين الأبواب، فقد أصبح في وضع لا يحسد عليه. كلمة “شُنق” تقشعر لها الأبدان، لكنها تحكي قصة الابن بكل وضوح “كان عطية، حبيب الجميع والضوء في عيوني”. هذه الجملة، قالها الأب بعيون ممتلئة بالدموع وقلب ممزق من الألم، لكنه لا يزال مصرًا على قبول قضاء الله وقدره.
لكن ما يحزن أكثر هو أن قصة الأب وابنه ليست الوحيدة. فقد كان هناك العديد من العائلات التي فقدت أحبائها في السيل. ومع ارتفاع عدد الضحايا، كان هناك من لا يستطيع التعرف على أحبائه بسبب تشابه الجثث وفي نهاية الأمر، يظل الأمل في قلوب الليبيين، حيث يتطلعون إلى يوم تتحقق فيه أمانيهم بوطن موحد ومستقر، بعيدًا عن الصراعات والمآسي.