استفاقت ليبيا الأربعاء على يوم ثالث من جهود البحث عن آلاف المفقودين إثر الفيضانات الكارثية التي اجتاحت خصوصا مدينة درنة بشمال شرق البلاد، في ظل تضارب للأنباء حول عدد القتلى الذي لا يقل حسب آخر الإحصائيات الرسمية عن 5300 ضحية وسط مخاوف من ارتفاع الحصيلة.
ورجّح مرصد كوبرنيكوس لمراقبة الأرض والغلاف الجوي التابع للاتحاد الأوروبي الأربعاء، مقتل ما لا يقل عن 5200 شخصا في ليبيا إثر إعصار “دانيال”، مشيرا إلى أن ثمانية آلاف شخص آخرين هم في عداد المفقودين.
وكانت الفيضانات نجمت عن الإعصار العنيف “دانيال” الذي وصل البر الليبي الأحد قادما من اليونان، ما أدى إلى فيضانات عارمة أدت لانهيار سدين قرب درنة ومن ثمة إطلاق موجة هادرة من المياه دمرت رُبع أو ما يزيد من المدينة المطلة على البحر المتوسط جارفة معها بنايات بسكانها.
اقرأ أيضاليبيا: كارثة بيئية وسط انقسامات سياسية
وحسب وكالة رويترز، فقد حذّر عبد الونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار في ليبيا ضمن ورقة بحثية نشرت قبل عام، من أن درنة عرضة لخطر السيول المتكررة عبر الوديان الجافة واستشهد بوقوع خمسة سيول منذ 1942، داعيا حينها لاتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة المنتظمة لسدود المنطقة. كما حذّر من مغبة وقوع سيول عارمة إذ قال إنها ستكون كارثية على السكان في الوادي والمدينة.
وألحق الإعصار “دانيال” أضرارا بتجمعات سكنية أخرى على امتداد الساحل، بما في ذلك مدينة بنغازي ثاني أكبر مدن البلاد.
كذلك، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية للمدينة قبل وبعد الكارثة كيف أن المجرى المائي الذي كان ضيّقا نسبيا ويمر عبر وسط مدينة درنة بات أكثر اتساعا بكثير الآن مع اختفاء جميع المباني التي كانت قائمة حوله. ويرجح أن كثيرا من المفقودين قد جرفتهم المياه إلى البحر.
وتحيط تلال بهذه المدينة الواقعة على بعد 300 كلم بالسيارة شرقي بنغازي ويمر فيها مجرى نهر يجفّ عادة خلال فصل الصيف، إلا أنه تحوّل الآن إلى تيار قوي من المياه الموحلة التي جرفت معها عددا من الجسور الرئيسية.
وكانت المدينة تعد حوالي 100 ألف نسمة وانهارت العديد من أبنيتها متعددة الطوابق على ضفاف مجرى النهر فيما اختفى أشخاص ومنازلهم ومركباتهم في المياه. وما زالت درنة ومدن أخرى مقطوعة عن بقية العالم رغم الجهود التي تبذلها السلطات لاستعادة شبكات الاتصالات والإنترنت. وأرسلت قوافل مساعدات من طرابلس في الغرب إليها.
اقرأ أيضاليبيا.. إحدى أكثر دول العالم تضررا من التغير المناخي
للوقوف على حجم الكارثة التي ألمّت بالشعب الليبي وتسليط مزيد من الضوء على الواقع الميداني حاليا في المناطق المتضررة، حاورنا د. فوزي حداد كاتب وباحث ليبي من طبرق ورئيس المؤسسة الأكاديمية للدراسات.
-
فرانس24: ما هي آخر الإحصائيات حول عدد ضحايا إعصار دانيال في ليبيا؟
د. فوزي حداد: تفيد آخر الإحصائيات بمقتل حوالي سبعة آلاف شخص تم الوصول إليهم في درنة لوحدها حتى صباح الأربعاء. هناك أيضا حوالي خمسة إلى ستة آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين حتى هذه اللحظة. المأساة كبيرة والفاجعة عظيمة وفي كل دقيقة تتكشف لنا المزيد من الأخبار المؤسفة عن حجم هذه الكارثة، سواء بشريا أو لجهة الخسائر الجسيمة، إضافة إلى البنى التحتية التي دمرت بالكامل، حيث جرفت الكثير من الطرق مع مبانيها. لقد دمر هذا الفيضان الكبير كل شيء في طريقه.
-
ما هو الوضع الإنساني وماذا عن المساعدات الدولية؟
لا يزال الوضع الإنساني بالمناطق المنكوبة صعبا جدا وللأسف لا يمكن أن تغطي الجهود الحكومية لوحدها هذه الفاجعة. فحتى الآن لا زلنا نسمع عن وجود أشخاص يستغيثون ويطلبون العون ولم تصل إليهم المساعدة بعد. شاهدت بشكل شخصي استغاثات من مناطق محاصرة بالمياه بعد قطع الطرق المؤدية إليها ليس في درنة فقط، بل في مناطق مختلفة من الجبل الأخضر والتي ينبغي الالتفات إليها أيضا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيها. وبالتحديد في مناطق مثل قندولة وتاكنس حيث إن الإعصار ضرب أيضا مدن البيضاء والقرى حولها مثل البياضة وتاكنس وكذلك مدينة سوسة على البحر وفيها مناطق لم يتم الوصول إليها حتى الآن. فضلا عن ذلك هناك انتشار كثير للجثث سواء في الشوارع التي غمرتها الفيضانات أو في البحر الذي بدأ يلفظها على شواطئه. الجهود لا تزال تركز بشكل خاص على درنة، ولكنها تبقى دون حجم هذه الكارثة، وحتى الجهود الدولية ليست في المستوى، فمعظم الدول التي أرسلت المعونات إما أنها لم تصل بعد إلى مناطق الكارثة أو أن وجودها غير مؤثر بشكل كبير. للأسف، فإن الهبّة الدولية لمساعدة ليبيا كانت محدودة.
-
لماذا لم يتم صيانة البنى التحتية وخصوصا السدود رغم أن ليبيا معرّضة لتداعيات التغير المناخي؟
فيما يتعلق بالبنى التحتية في ليبيا، للأسف الشديد فإن البلاد تعاني من عدم الاهتمام ببناها التحتية منذ أكثر من خمسين سنة. كان النظام مشغولا بأمور أخرى للأسف وضيّع علينا فرصة البناء والاستثمار في مواردنا. وحتى بعد 2011 فقد كان اهتمام كل القياديين أو القيادات منصبا على التصارع على السلطة ونسوا ليبيا والبناء فيها واليوم هذه هي النتيجة. حين نتحدث عن سد وادي درنة الذي تسبب في هذه الكارثة على سبيل المثال، نلحظ أن كثيرا من الدراسات وأيضا نجد أن العديد من المختصين حتى قبل هذه الكارثة بأيام، قد نبّهوا إلى خطورة الوضع وقالوا إن كارثة كبيرة سوف تحصل إن لم يتم صيانة هذه السدود المقامة منذ أكثر من خمسين سنة، لكن الجهود الحكومية ظلّت بائسة ويائسة وعاجزة عن خدمة أهلها ما تسبب في هذه الكارثة الكبرى.