فاجعة كبيرة ألمت بأهالي قرية الشريف التابعة لمركز ببا بمحافظة بني سويف في صعيد مصر، حيث قضى العشرات من أبناء القرية المصرية جراء العاصفة دانيال في ليبيا، بينما لايزال عشرات آخرون في عداد المفقودين.
تجمع أهالي القرية التي تبعد عن العاصمة المصرية القاهرة حوالي 160 كيلومترا، صباح الأربعاء لاستقبال جثامين 74 شابا من أبناءهم بعد وصولها من مدينة درنة الليبية.
اصطف الأهالي على جانبي القرية المصرية، بينما تشق عربات الإسعاف طريقها إلى المقابر في موكب جنائزي مهيب، حيث ووريت الجثامين الثرى.
تتراوح أعمار هؤلاء المصريين الذين قضوا جراء العاصفة دانيال بليبيا ما بين 18 و 30 عاما.
تداخلت سرادقات العزاء، الضحايا معظمهم إما أشقاء أو أبناء عمومة أو أقارب. حيث يكاد لا يخلو بيت من قتيل.
ووسط حزن ونحيب ووجوم يعلو وجوه سكان القرية، تجولنا من منزل لآخر.
تبدو مظاهر الفقر على أهالي القرية التي يعمل مئات من أبنائها الشباب في ليبيا كعمال بناء، هاجر معظمهم بطريقة غير شرعية من أجل حياة أفضل و مستقبل آمن.
الحزن واحد
فقدت إحدي العائلات نحو 16 من أبنائها، بين أشقاء و أبناء عمومة. جلس جمعة السيد الضبع يرثي أبنائه الثلاثة محمود و أحمد و سيد الذين قضوا جراء العاصفة دانيال وما تبعها من فيضانات. سافر الثلاثة بطريقة غير شرعية إلى ليبيا، وكانوا يعملون في مجال البناء، ويتمنى الأب المكلوم لو لم يساعد أبنائه في جمع المال من أجل السفر.
بمنزل مجاور، تجمع الأهل لعزاء شعراوي رشاد و زوجته نورس اللذين قضى ثلاثة من أبناءهم جراء الكارثة الطبيعية بليبيا، و لم يتبق لهم إلا ابن رابع يبلغ من العمر 7 سنوات.
ينتمي الأبناء الثلاثة رشاد و محمد و أحمد إلى نفس العائلة “الضبع”. و تقول نورس إنها تلقي باللائمة على الفقر و ظروف المعيشة الصعبة التي دفعت أبنائها إلى السفر، وتتمنى لو كانوا قد حازوا على فرص عمل في مصر دون الاضطرار إلى الاغتراب.
كان الابن الأكبر يستعد لزفافه بعد شهرين، وقد سافر وأخوته لجمع تكاليف الزواج، وتقول الأم وهي تغالب دموعها إن أبنائها ماتوا جميعا تاركين فقط الحزن لها.
ويقول الأب ومعالم الصدمة بادية على وجهه “موت أبنائي كسر ظهري فقد كانوا السند و العون لي في هذه الدنيا”.
ويرى شعراوي أن السلطات المصرية لم تتدخل للاطمئنان على المصريين هناك أو حتى للحفاظ على جثامينهم التي كانت حسب قوله في الجمرك البري بين مصر وليبيا دون وجود ثلاجات لحفظها.
“دُفنوا كالزرع في الحقول”
وبمنزل بسيط جلست فاطمة محمد تبكي أبنائها الثلاثة محمود وأحمد و عبدالرحمن الذين ماتوا جراء كارثة درنة. كلهم في العشرينيات من العمر، و يعملون في ليبيا منذ أوقات متفاوتة بين شهور وثلاث سنوات، وكان يعاني أكبرهم محمود من مرض في القلب.
ذهب أبناؤها إلى ليبيا بطرق مختلفة بحرا وبرا بطريقة غير شرعية أو جوا بشكل شرعي، وتكلف سفرهم ما بين 500 وألف دولار لكل منهم.
فقدت السيدة الخمسينية زوجها منذ ثلاث سنوات، وفاقم رحيل أبنائها جراحها، و تقول فاطمة إنها لم تصدق خبر موت أبنائها إلا عندما استلمت جثثهم و دفنتهم إلى جانب بعضهم البعض كالزرع في الحقول كما تصف.
رحل الأبناء الثلاثة تاركين خمسة أحفاد وزوجاتهم، تبكي فاطمة و تصرخ غير مصدقة ما حدث، ثم تتمالك نفسها و تعرب عن اعتزامها تربية أحفادها الخمسة و رعاية أمهاتهم الشابات. لا تملك مورد رزق سوى العمل في أراض زراعية تؤجرها من أصحابها.
مفقودون قطعت أخبارهم
لا يختلف حال عاشور نصر عن بقية أهل القرية كثيرا. يكابد الرجل الخمسيني القلق بعدما انقطعت أخبار ابنه الذي كان يعمل بمدينة درنة الليبية.
أرسل الابن برسالة عبر واتساب الثلاثاء لوالده، قبل أن يفقد الاتصال به.
و يقول نصر إن ابنه سافر على غرار كثيرين من أجل جمع تكاليف ترخيص بناء منزل له، في ظل ارتفاع تكلفة الترخيص الحكومي لبناء منزل ثم الزواج.
ومازالت السيدة ريا فيصل أيضا تنتظر أي أخبار عن أبنائها الاثنين أحمد و محمد المفقودين في ليبيا، تقول ريا إنها تدعو الله أن يكونا على قيد الحياة، فهم كل حياتها، و لا تعرف ما الذي يمكن أن يحدث لها إذا تلقت نبأ موتهما، تقول إنها لا تجد من يساعدها من أجل السؤال في مستشفيات ليبيا عنهما، و تطلب من الحكومة المصرية إرسال مسؤولين للبحث عن المفقودين.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد المصريين المتواجدين في ليبيا، لكن منظمة الهجرة الدولية تقدر نسبة المصريين العاملين في ليبيا بـ 21% من إجمالي العاملين الأجانب في ليبيا.