اتفق ضيفا برنامج ما وراء الخبر على وجود إرادة سياسية لدى السعودية وإيران لتعزيز علاقتهما وتجاوز مشكلات الماضي، وأن ذلك سيترك أثرا حقيقيا على الملفات العالقة بالمنطقة، في حين اختلفا حول دوافع ذلك التقارب وأهداف كل طرف منه.
فبينما يرى سعد بن عمر، مدير مركز “القرن العربي” للدراسات أن الأمر لدى الرياض يقوم في الأساس على وجود بنود تعهدت طهران على الالتزام بها بشأن قضايا عالقة، نفى محمد مهدي شريعتمداري، الباحث المتخصص في الدراسات السياسية الإقليمية حضور تلك القضايا في الاتفاق الذي يعكس -وفق رأيه- حرص الطرفين على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية.
جاء ذلك خلال الحلقة التي خصصها برنامج “ما وراء الخبر” بتاريخ (2023/8/17) لزيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للرياض، ولقائه نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي قال إنه أكد خلال لقائهما حرص المملكة على تفعيل الاتفاقيات السابقة بين البلدين، لا سيما الأمنية.
وقال عبد اللهيان الذي يزور الرياض لأول مرة منذ عودة العلاقات بين البلدين، إن محادثاته مع نظيره السعودي كانت بناءة، وإن العلاقات مع الرياض تسير في الاتجاه الصحيح، وبإمكان البلدين العمل على حل كافة الموضوعات الإقليمية العالقة.
وتساءلت حلقة ما وراء الخبر عن الملفات التي تركز عليها مشاورات وزير الخارجية الإيراني في الرياض وانعكاس تقدمُ العلاقة بين البلدين -خاصة مع استكمال تبادل السفراء- على الإقليم وأمنه وملفاته، والتفاهمات التي يمكن لهذا التقارب أن يتمخض عنها وخاصة في ملفات اليمن وأمن مياه الخليج.
إطار زمني
وفي حديثه لما وراء الخبر، يشير بن عمر إلى أن زيارة عبد اللهيان للرياض، تأتي ضمن برنامج زمني تم الاتفاق عليه لإعادة علاقات البلدين، مؤكدا في الوقت ذاته على أن ذلك يعكس قناعة كبيرة لدى الطرفين بضرورة تحقيق ما اتفق عليه في الاتفاق الذي جرى في بكين.
وذكّر بأن ذلك الاتفاق تضمن تعهدات بمواقف في قضايا مختلف عليها، من ضمنها التزام إيران بعدم التدخل في الشأن العربي، والعمل على خفض التصعيد الحاصل في عدد من الجبهات بالمنطقة والتي لا يخفى دور إيران فيها.
ويرى بن عمر أن الدور الإيراني في اليمن لا يمكن إنكاره، كما لا يمكن تصور اتفاق بين السعودية وإيران لا يشمل بنود واضحة بشأن الوضع في اليمن، مؤكدا أن السعودية تركز بشكل رئيس على الأمن الإستراتيجي في المنطقة وكف أذرع إيران عن التطور في إقلاق الأمن العربي.
أما عن دافع إيران للحرص على نجاح هذا التقارب فهو -وفق بن عمر- سعيها لعودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، مضيفا أن الإيرانيين باتوا على قناعة بأن التدخلات في دول المنطقة، أضر ببلادهم أكثر مما نفعها، وهو ما يترجم الآن بالحرص على إعادة العلاقات، وفق رأيه.
وبشأن إمكانية تعثر هذا التقارب بضغط أميركي، شدد بن عمر على أن المملكة تنطلق في مواقفها من سعيها لتحقيق مصالحها بدون وصاية أحد، مؤكدا أنه في حال كان ذلك التأثير حقيقيا لما كان في الإمكان توقيع الاتفاق مع إيران بضمانات صينية.
إرادة سياسية
بدوره، يرى محمد مهدي شريعتمداري، الباحث الإيراني المتخصص في الدراسات السياسية الإقليمية، أن البلدين باتا يمتلكان إرادة سياسية كاملة لتحسين علاقاتهما وتجاوز المشاكل التي حصلت في الماضي، مشيرا إلى أن ذلك سيترك أثره على مجمل العلاقات الإقليمية.
لكنه استدرك في حديثه لما وراء الخبر بأن اتفاق البلدين مبني على اهتمام كل منها خلال هذه المرحلة باستئناف العلاقات الدبلوماسية، ولم يتطرق اتفاقهما إلى أي ملفات أخرى أو الحديث عن تعهدات أو التزامات.
وفي هذا السياق، يشير شريعتمداري إلى أن الرياض كانت تحاول -خلال مرحلة المفاوضات التي جرت برعاية بغداد- عرض الملف اليمني، في حين كانت طهران ترفض ذلك باعتباره شأنا يمنيا داخليا، وخلافا بين صنعاء والرياض، لا علاقة لإيران به.
ويرى الباحث الإيراني أن أي تقدم في تحسين العلاقات بين البلدين من شأنه أن يؤثر على مختلف القضايا العالقة في المنطقة، باعتبار أن السعودية وإيران دولتان كبيرتان وكلاهما يتحمل مسؤولية دعم قضايا المنطقة العادلة، لكنه اشترط عدم وجود أي تدخلات خارجية يمكن أن تفسد ذلك.