واشنطن – مثّل إعلان رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي عن بدء تحقيق رسمي في عزل الرئيس جو بايدن، يوم أمس الثلاثاء، الخطوة الأولى في طريق يمكن أن يؤدي إلى تصويت على المساءلة في مجلس النواب، الذي يتمتع بأغلبية جمهورية ضئيلة.
وتتطلب عملية التحول من المساءلة إلى المحاكمة في مجلس الشيوخ -وهي عملية سياسية وليست جنائية- الحصول على موافقة أغلبية الثلثين (66 صوتا)، لإدانة الرئيس وعزله من منصبه، أو أن يصوّت له بالبراءة.
وينص الدستور الأميركي على إمكانية عزل الرئيس بتهمة “الخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم أو الجنح الكبرى”، لكن الديمقراطيين يتمتعون بأغلبية في مجلس الشيوخ، ومن شبه المؤكد أنهم سيُسقطون الإجراءات إذا ما وصلت إلى هذا الحد.
ولتوضيح حيثيات هذا الإعلان، تعرض الجزيرة نت الأسئلة والإجابات المتعلقة برغبة الجمهوريين في عزل الرئيس بايدن، على النحو التالي:
لماذا يريد الجمهوريون بزعامة كيفن مكارثي عزل الرئيس جو بايدن الآن؟
أعلن رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي عن بدء تحقيق رسمي في عزل الرئيس جو بايدن، وقال مكارثي في بيان تلفزيوني أمس الثلاثاء، إن هناك “مزاعم خطيرة وذات مصداقية في سلوك الرئيس بايدن” تتطلب “مجتمعة” مزيدا من التحقيق.
وتعدّ عملية التحقيق، ومن ثمّ التصويت في مجلس النواب الخطوة الأولى ضمن الإجراءات الرسمية المتّبعة لإقالة الرئيس -أو أي مسؤول تنفيذي أو قضائي كبير- من منصبه، كما تتطلب عملية التصويت الحصول على أصوات الأغلبية اليسيرة في مجلس الشيوخ الأميركي لبدء المحاكمة، حيث تعدّ أغلبية الثُلثين (بما يعادل 66 صوتا) ضرورية للإدانة والإقالة.
ما التهم التي يمكن عزل الرئيس بايدن بسببها؟
في بيانه أمس الثلاثاء، وجّه مكارثي سلسلة من الاتهامات ضد الرئيس ونجل الرئيس، هانتر بايدن، متهما الرئيس بالكذب بشأن معرفته بتعاملات ابنه التجارية، وقال، إن “أفراد عائلة بايدن” تلقوا ملايين الدولارات من مدفوعات من شركات وهمية، وأن وزارة الخزانة الأميركية وصفت المعاملات بأنها مشكوك فيها.
وأشار البيان ذاته إلى أن مخبرا لمكتب التحقيقات الفدرالي نقل ادعاء بأن بايدن تلقى رشوة، مقابل اتخاذ إجراءات رسمية كونه نائبا للرئيس، وأنه استخدم مكتبه الحكومي للتنسيق مع شركاء ابنه التجاريين.
كما زعم مكارثي أن إدارة بايدن منحت عائلة الرئيس وشركاءه معاملة خاصة، خلال تحقيقاتها في الانتهاكات الجنائية المحتملة، لكن الجمهوريين لم يعثروا على دليل ملموس على سوء سلوك الرئيس.
كيف وصل مجلس النواب إلى هذه المرحلة؟
جاءت خطوة رئيس مجلس النواب بعد شهرين تقريبا من استماع لجنة في مجلس النواب إلى شهادة اثنين من مسؤولي الضرائب، اللذين زعما أن وزارة العدل في عهد بايدن منعت إجراء تحقيق أكثر شمولا في تورط الرئيس في الشؤون المالية الشخصية لنجله هانتر بايدن.
وفي أواخر يوليو/تموز الماضي، أصدر السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي، وثيقة لمكتب التحقيقات الفدرالي توضح بالتفصيل كيف نقل مصدر استخباراتي موثوق مزاعم بأن عائلة بايدن تلقت دفعتين بقيمة 5 ملايين دولار من شركة طاقة أوكرانية، بعد أن ضغط نائب الرئيس بايدن -آنذاك- على أوكرانيا لإقالة مسؤول حكومي كبير مسؤول عن التحقيق في الفساد.
بالرغم من أن محققي مصلحة الضرائب لم يقدموا لمكتب الحقيقات الفدرالي أي وثيقة، أو دليلا قاطعا على سلوك غير قانوني أو غير لائق من الرئيس، لكن الجمهوريين في مجلس النواب أكدوا أن المعلومات كافية لبدء تحقيق رسمي.
ما الصلاحيات التي يتمتع بها تحقيق العزل؟
قال مكارثي، إن إجراءات المساءلة ستمنح الجمهوريين في مجلس النواب “السلطة الكاملة لجمع كل الحقائق والإجابات للشعب الأميركي”، وكجزء من إجراءات التحقيق التقليدية، تمنح المحاكم لجان الكونغرس سلطة أكبر، لإصدار وإنفاذ مذكرات استدعاء للوثائق والشهادات، عندما تصدر هذه الأوامر.
وسبق لرئيس مجلس النواب أن تردد في تأييد دعوات من بعض الجمهوريين في المجلس لبدء إجراءات العزل، معدا أنه كان من السابق لأوانه اتباع هذا المسار، رغم تعرضه لضغوط متزايدة من أعضاء اليمين في حزبه للتحرك بسرعة أكبر. لكن مكارثي غيّر مساره، بالرغم من وجود أغلبية جمهورية ضئيلة في مجلس النواب، واقتراب موعد تصويت صعب على الإنفاق الحكومي خلال الأسابيع المقبلة.
لكن هذه الأغلبية تبدو أنها غير كافية لإرضاء المنتقدين المحافظين، فبعد وقت قصير من إعلان العزل الذي تقدم به مكارثي، صعد عضو الكونجرس عن فلوريدا الجمهوري مات جايتز إلى قاعة مجلس النواب، معبرا عن خيبة أمله، وقال، “هذه خطوة صغيرة بعد أسابيع من الضغط من المحافظين في مجلس النواب لبذل المزيد من الجهد، يجب أن نتحرك بشكل أسرع”.
هل تمرير مشروع العزل في مجلس النواب يعدّ أمرا مؤكدا؟
يعدّ النجاح النهائي في قرار المساءلة في مجلس النواب موضع شك كبير، حيث يتمتع الجمهوريون بأغلبية ضئيلة في المجلس، بواقع 222 مقعدا مقابل 212 للديمقراطيين، وقد أعرب بعض الوسطيين في الحزب، الذين يفكرون في سباقات إعادة انتخابهم الصعبة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن عدم ارتياحهم للمضي قدما في عملية لن تؤدي إلا إلى تأجيج الانقسامات السياسية في أميركا.
ما الخطوة التالية في حال تبني مجلس النواب قانون عزل الرئيس بايدن؟
يرفع المجلس هذا القانون إلى السيناتور تشك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وتبدأ محاكمة مجلس الشيوخ للرئيس بايدن، التي يمكن أن تستغرق بضعة أسابيع.
ويترأس المحاكمة رئيس المحكمة الدستورية القاضي جون روبرتس، ويجب أن يشارك في المحاكمة كل أعضاء مجلس الشيوخ المئة الذين يؤدون دور هيئة المحلفين، ويصوتون لصالح أو ضد قرار عزل ترامب.
هل يمكن أن يحكم مجلس الشيوخ بعزل بايدن؟
بفرض تصويت كل الجمهوريين (49 عضوا مقابل 51 للديمقراطيين) لصالح قرار العزل، تبقى هناك حاجة لأصوات أكثر من 20 سيناتورا ديمقراطيا لتمرير القرار الذي يتطلب أغلبية الثلثين، ومن الصعب بمكان تصور هذا السيناريو، وعند تلك النقطة تنتهي إجراءات العزل بالإخفاق.
هل من دور لترامب في دفع الجمهوريين لبدء إجراءات عزل بايدن؟
ناقش ترامب -بشكل خاص- عزل بايدن مع الجمهوريين في مجلس النواب، وكان يضغط وراء الكواليس لدعم توجه الحزب الجمهوري في مجلس النواب، لبدء إجراءات عزل الرئيس جو بايدن.
وأشارت تقارير إلى أن الرئيس السابق كان يتحدث أسبوعيا مع رئيسة مؤتمر الحزب الجمهوري في مجلس النواب إليز ستيفانيك، التي كانت أول عضوة في القيادة الجمهورية تعلن دعمها لفكرة عزل بايدن. تحدث الاثنان أمس الثلاثاء، في اليوم نفسه الذي أعلن فيه رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، أن الجمهوريين سيبدؤون إجراءات التحقيق في ادعاءات فساد بايدن وعائلته.
ما المحاولات التاريخية لعزل الرؤساء الأميركيين؟
منذ نشأة الولايات المتحدة قبل 245 عاما، جرت 6 محاولات لعزل الرئيس، انتهت جميعها بالإخفاق على النحو التالي:
- المحاولة الأولى: كانت في 1840 ضد الرئيس جون تايلور، الذي استفاد من نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وانتقال الأغلبية لحزب الرئيس، مما أدى لانتهاء المحاولة سريعا.
- المحاولة الثانية: استهدفت الرئيس أندرو جونسون في 1868 بسبب إقالته لوزير الدفاع المحبوب -آنذاك- إيدموند سانتون، ومرّ قرار العزل بمجلس النواب، إلا أنه لم يمر في مجلس الشيوخ لحصوله على 65 صوتا فقط، أي أقل بصوت واحد عن الأغلبية المطلوبة.
- المحاولة الثالثة: بدأت في 1973 نتيجة لفضيحة ووترغيت، واختار الرئيس ريتشارد نيكسون الاستقالة عندما أيقن أن الأغلبية الديمقراطية تستطيع تمرير قرار عزله، نظرا لتدني شعبيته وصعوبة دفاع الجمهوريين عنه.
- المحاولة الرابعة: جرت في 1998 ضد الرئيس بيل كلينتون، إثر تورطه في علاقة جنسية مع مونيكا لوينسكى، إحدى المتدربات في البيت الأبيض، وكذبه بشأن هذه العلاقة، ومرر مجلس النواب قانون العزل، إلا أنه أخفق في الحصول على أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، وانعكس ذلك بارتفاع شعبية الرئيس كلينتون بصورة كبيرة.
- المحاولة الخامسة: جرت في 2020 ضد الرئيس دونالد ترامب، إثر تورطه في طلبه من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبحث عما يضر بخصمة السياسي جو بايدن، وهدد ترامب بقطع المساعدات عن أوكرانيا إذا لم يلبّ زيلينسكي طلبه، ومرر مجلس النواب قانون العزل، إلا أنه أخفق في الحصول على أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، وتم تبرئة ترامب.
- المحاولة السادسة: جرت في 2021 ضد الرئيس ترامب قبل أيام من انتهاء فترة حكمه؛ بسبب دوره في حادثة اقتحام أنصاره مبنى “الكابيتول” لعرقلة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، ومرر مجلس النواب مشروع قانون العزل، إلا أنه أخفق في الحصول على أغلبية الثلثين في محاكمة مجلس الشيوخ، وتم تبرئة ترامب.
مع إخفاق كل المحاولات السابقة .. لماذا اللجوء لعزل الرئيس؟
أثناء تحقيقات مجلس النواب مع الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن ربط مصالحه الخاصة، وحجز مساعدة عسكرية لأوكرانيا مقابل فتحها تحقيقات تصب في مصلحة حملته الانتخابية، حذّر البروفيسور جوناثان تورلي خبير القانون الدستوري في جامعة جورج واشنطن، من تسهيل بدء إجراءات العزل.
وقال تورلي في مداخلته أمام اللجنة القضائية حينذاك، “لو استمر مجلس النواب في السير تجاه العزل على خلفية الاتهامات المتعلقة بأوكرانيا، سيكون ذلك رسالة مباشرة بأنه يمكن عزل الرئيس بعد فترة تحقيق قصيرة للغاية، ومع توافر دلائل ضعيفة وواهية، مقارنة بما تم في حالات العزل السابقة”.
وأرجع بعض المعلقين خطورة خطوة رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي، بتوجيه 3 لجان للتحقيق في ادعاءات فساد الرئيس بايدن، إلى الرغبة في الانتقام، وردّ الاعتبار للرئيس ترامب، وإهانة بايدن.
يدرك الجمهوريون أن محاولة العزل مصيرها الحتمي هو الإخفاق عندما تنتقل القضية لمجلس الشيوخ، لكنهم رغم ذلك يصرون على السير فيها.