التخطي إلى المحتوى

تعرض دور السينما حاليا فيلم “المرتزقة 4” (Expend4bles)، وهو الجزء الرابع من السلسلة التي تحمل الاسم نفسه، ويشارك فيها -منذ أول أفلامها عام 2010- عدد كبير من أهم نجوم الحركة (الأكشن).

لكن على عكس الأجزاء الأولى التي حققت نجاحات تجارية، سقط الجزء الرابع في شباك التذاكر، ولم يحقق منذ بداية عرضه سوى 50 مليون دولار، في ظل ميزانية تعدت 100 مليون دولار، فكيف ولماذا هوت هذه السلسلة؟

نحن هنا

قدم فيلم “المرتزقة” في جزئه الأول عملا مختلفا عن أفلام الحركة الرائجة منذ بداية الألفية، وأعاد النجم سلفستر ستالون إحياء جيل أساطير أفلام الحركة من الثمانينيات.

فظهر نجوم هذا الجيل ولو بأدوار صغيرة مثل أرنولد شوارزنيغر، وبروس ويليس في الأجزاء الثلاثة الأولى، وجان كلود فاندام وتشاك نوريس بالجزء الثاني.

أرنولد شوارزنيغر أحد النجوم الذين ساهموا في نجاح سلسلة “المرتزقة” (أسوشيتد برس)

أما الجزء الثالث فقد ضم فريقه كذلك كلا من ميل غيبسون، وهاريسون فورد، وأنطونيو بانديراس، وأدمج معهم أجيال أصغر من ممثلي الحركة، على رأسهم جيسون ستاثام وجيت لي.

بدت الأفلام الأولى من السلسلة كما لو أنها صرخة من هؤلاء الأساطير يقولون إننا لا نزال هنا، وإننا قادرون ليس فقط على بطولة الأفلام السينمائية، ولكن على تقديم مشاهد الحركة ببراعة شديدة، رغم تقدمنا في العمر، بل والسخرية من أفلامنا القديمة والحنين إليها في الوقت ذاته.

اعتمدت الأفلام على حبكة بسيطة متكررة من عمل لآخر، ويتعلق الأمر بفريق من “المرتزقة” يقومون بعمليات خطرة لحساب أي شخص يدفع المال، ولكن في سياق الأفلام الأربعة تطلب منهم المخابرات الأميركية الدخول في عمليات انتحارية بدلًا من رجالها مقابل مبالغ مالية طائلة، يقبل المهمة قائد المرتزقة “بارني روس” (يجسده سيلفيستر ستالون)، ثم تبدأ المعارك التي يخوضها مع رجاله بشراسة مفجرين أدمغة الأعداء، وناحرين حلوقهم وهم يلقون الدعابات هنا وهناك.

حبكة بسيطة ومشاهد حركة دموية ونجوم قدامى، ضمنت تلك المعادلة نجاح الأجزاء الثلاثة، خاصة الأول والثاني، في حين لم يستطع الثالث تحقيق الإيرادات المتوقعة، ولكن لم ينتبه صناع فيلم “المرتزقة 4” إلى تلك المعادلة بما فيه الكفاية، إذ تخلصوا من أهم شق فيها وهم النجوم الذين عادوا للشاشة، فأعادوا المشاهدين للسينما ثلاث مرات.

تغير فريق المرتزقة في الجزء الرابع، وتخلى عن وجوهه المألوفة، ولم يظهر أي من الأسماء التي حققت النجاح فقط بمجرد وجودها بمشهد أو اثنين، ولكن الغياب الأهم كان لبطله سيلفيستر ستالون، الذي اختفى بعد الربع الأول من العمل، مما أفقد السلسلة أهم ما يميزها.

الممثل سيلفيستر ستالون أحد النجوم المشاركين في سلسلة “المرتزقة” (وكالة الأناضول)

طغيان المؤثرات البصرية

مشاهدة أكثر من فيلم للمخرج نفسه هو الطريق الأقرب لفهم أسلوبه الفني، وفي 2023 قدم المخرج “سكوت وا” فيلمين جمعت بينهما الكثير من العوامل المشتركة، أولهما “الضربة الخفية” (Hidden Strike)، وهو من بطولة كل من جاكي شان وجون سينا، والفيلم الثاني هو “المرتزقة 4”.

ينتمي العملان لنوع الحركة، ويضمان مشاهير في هذا النوع من الأفلام، وحظي كلاهما كذلك بخسارة تجارية كبيرة ومعدل متدن على موقع “روتن توماتوز” -المتخصص في تقييم الأفلام-، وهو 24% و14% على التوالي. ولكن هذه النتائج المتواضعة هي نتيجة حتمية لقصور المخرج الشديد في استخدام الموارد المتاحة له، والتي تتمثل في هذه الحالة في نجوم حركة محبوبين، وميزانية كبيرة نسبيا.

غابت الحركة عن أغلب مشاهد فيلم “المرتزقة 4” ما عدا الثلث الأخير، وهي نسبة قليلة بالنسبة لفيلم تمثل مشاهد الحركة الأساس فيه، في حين طغى عليه استخدام المؤثرات البصرية بشكل مكثف حتى في المشاهد التي ليست بحاجة لذلك، فبدا الفيلم بالكامل كما لو أنه مصور على خلفية خضراء يتم تحريك الممثلين أمامها، وبدوا وكأنهم لم يتقابلوا حتى خلال التصوير، فالتفاعل بينهم وصل إلى الحدود الدنيا.

لا يعيب استخدام المؤثرات البصرية -في حد ذاتها- أي فيلم، بل هي ضرورية في الكثير من الأحيان لنقل خيال المبدع على الشاشة، أي كأداة فنية مساعدة، ولكن ما قام به المخرج “سكوت وا” هو الإفراط في استخدام هذه الأداة لتعمل في النهاية ضده وليس لصالحه، ويبدو الفيلم كما لو أنه لعبة فيديو متواضعة المستوى.

لا يمكن اعتبار الأفلام الثلاثة الأولى من سلسلة المرتزقة أعمالا فنية مميزة بشكل عام، فلم تقدم أي جديد في النوع السينمائي مثل سلسلة “جون ويك” أو “المعادل”، بل هي عبارة عن “أكشن” قديم ومكرر فيه لجوء دائم إلى خفة الظل ومشاهد الدماء لإخفاء بساطة الحبكة المتوقعة للغاية، ولكن الجزء الرابع من السلسلة جعل الأجزاء السابقة تبدو كما لو أنها تستحق الاحتفاء من فرط التراجع الذي شهدته السلسلة.

وعلى الرغم من أن هناك 9 سنوات بين الجزء الثالث والرابع -وهو وقت طويل نسبيا لتطوير فيلم سينمائي- فإن ذلك لم يفد صناعه لتقديم إضافة حقيقية للأجزاء السابقة، أو حتى استغلال نجاحها، ليصبح هذا الفيلم أسوأ ختام لسلسلة كانت تستحق نهاية أفضل.

الحنين إلى الماضي عامل جذب مهم في السينما، إذ ارتكزت سلسلة المرتزقة على هذا العامل لسنوات، وعندما تم إهماله بداعي إعادة إطلاق السلسلة فقدت هويتها وبوصلتها، وقدمت واحد من أسوأ أفلام 2023.