دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، كانت كاسي روز برنز، وهي شابة أمريكية من نيويورك تبلغ من العمر 24 عامًا، تقضي إجازة في فلورنسا، وكانت تلك المرة الأولى لها في إيطاليا، وأول مرة تسافر فيها بمفردها.
وقد كانت تجربتها مثيرة ومرعبة في آن واحد.
وأوضحت كاسي أنّها عملت كراقصة محترفة في نيويورك، وهي مهنة مرهقة للغاية.
وأمضت كاسي أيامها في المشاركة في تجارب الأداء، والسفر لإحياء العروض، إلى جانب العمل في وظيفة إضافية بمتجر لبيع الملابس،.
وكانت الأمريكية بحاجة ماسة إلى فترة استرخاء، وقد شعرت منذ فترة طويلة “بالانجذاب” نحو إيطاليا، وحلمت بقضاء عطلتها هناك، إلا أنّها كانت تنتظر للذهاب مع أفراد أسرتها أو أصدقائها,
وفي إحدى الليالي، قررت كاسي أنها لن تنتظر أحدًا ليصطحبها إلى إيطاليا، وقامت بحجز رحلة بمفردها هناك.
خططت كاسي لقضاء معظم وقتها في روما، والبندقية، ويومين فقط في فلورنسا.
ولكن في الفترة التي سبقت رحلتها، تحدثت كاسي مع إحدى زبائنها في المتجر الذي كانت تعمل فيه، وهي امرأة عاشت في فلورنسا لـ5 أعوام، ومدحت توسكانا، وأقنعت كاسي بإضافة يوم ثالث في فلورنسا.
وهكذا جمعت الأقدار بين كاسي وغريب إيطالي في ناد للجاز بفلورنسا.
لقاء في فلورنسا
وكان النادي مظلمًا باستثناء عدد قليل من مصابيح الحائط ولافتات النيون.
وقبل أن تتمكن حتّى من رؤية عازفي الجاز على المسرح، وقعت عينا كاسي على رجل طويل القامة يجلس عند الحانة.
وخاطبها الغريب بالتحية الإيطالية “تشاو” أي “مرحبًا”، فردت كاسي بالتحية ذاتها قبل الاعتذار بلغتها قائلةً: “هذا كل ما أعرفة باللغة الإيطالية”.
وتقول كاسي: “أنا ممتنة حقًا لأنني استمعت إلى نصيحتها (الزبونة). هذا هو السبب الوحيد الذي جعلنا نلتقي في الليلة الأولى لي في فلورنسا، إذ لم يكن من المفترض أن أكون هناك يومها”.
وكان الرجل الذي التقت به كاسي في حانة الجاز يدعى داريو نينسيتين، وهو شاب يبلغ من العمر 26 عامًا، ويعمل كطاهي في أحد فنادق فلورنسا، وصادف أن تلك كانت الأمسية الوحيدة التي قضاها كيوم عطلة في ذلك الأسبوع.
وكان نادي الجاز الذي يُدعى “Jazz Club Firenze” أحد أماكن الاستراحة المفضلة لدى داريو.
يقول داريو لـCNN: “هذا المكان يعد غير تقليدي بالنسبة لفلورنسا، إذ عادةً في فلورنسا، توجد طاولة تتسع لشخصين أو ثلاثة أشخاص. أما في نادي الجاز، فهناك طاولات كبيرة، حتى تتمكن من الجلوس مع غرباء”.
وعندما أدرك داريو أن كاسي لا تعرف الكثير من اللغة الإيطالية، بدأ بالتحدث معها بالإنجليزية.
حدّث داريو كاسي عن تجربته في العيش في اسكتلندا لمدة عام، بينما أخبرته كاسي أنها كانت تقضي أول رحلة بمفردها، حينها ذكر داريو مغامرة مماثلة قضاها في اليابان في وقت سابق من ذلك العام.
ويقول داريو إنه شعر بارتباط نحو كاسي منذ البداية، إذ جرت المحادثة بينهما بشكل طبيعي.
وتشير كاسي إلى أنها شعرت بإحساس مختلف نحو داريو.
وبقي الثنائي في حانة الجاز يتحدثان حتى الساعات الأولى من الصباح. ثم أمضيا أكبر قدر من الوقت معًا خلال اليومين التاليين.
تتذكر كاسي قائلة: “كان يقابلني بعد انتهاء عمله، وكان يغادر كل ليلة في الساعة 11”.
وتضيف: “لقد وقعت على الفور في حب فلورنسا، إنها مدينة رومانسية للغاية، من شوارعها المرصوفة بالحصى، إلى المباني من العصور الوسطى. إنها تبدو كلوحة في كل مكان تنظر إليه”.
في إحدى الأمسيات، جلس كلاهما بالقرب من جسر “بونتي فيكيو” في فلورنسا، وتحدثا حتّى الساعات الأولى من الصباح.
وبعد مرور يومين، كان على كاسي الاستمرار في المرحلة التالية من رحلتها.
وحين صعدت على متن القطار المغادر، كان داريو واقفاً ليودعها على الرصيف.
وتقول: “أتذكر أنني كنت أنظر إلى خارج القطار، وكنت حزينة للغاية”.
وعندما ابتعد القطار عن المحطة، مسحت كاسي دموعها وأرسلت رسالة إلى صديقتها المفضلة في نيويورك.
وكتبت: “لقد التقيت للتو بزوجي المستقبلي في فلورنسا. هذا هو الرجل الذي سأتزوجه. ولن أراه مرة أخرى أبدًا”.
ورغم فراقهما، إلا أنهما لم يتوقفا عن تبادل الرسائل ومكالمات الفيديو حتى عندما عادت كاسي إلى الولايات المتحدة.
ولم يمض وقتٍ طويل حتّى خطط داريو لزيارة نيويورك.
في نيويورك
في 8 ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، وصل داريو إلى الولايات المتحدة. وأمضت كاسي أسبوعًا في تعريف داريو على نمط حياتها في نيويورك.
ويقول داريو: “لقد أرتني المدينة الحقيقية”.
ثم سافر الثنائي إلى ميامي لقضاء إجازة لمدة أسبوع.
وبالنسبة لكاسي وداريو، لم تكن هناك لحظة محددة قررا فيها بدء علاقتهما.
مع ذلك، عانى الاثنان من فرق التوقيت، والمسافة، وانشغالهما بوظائفهما التي لم تترك لهما سوى القليل من الوقت معًا، لكنهما حاولا زيارة بعضهما البعض كلما أمكن ذلك.
وفي سبتمبر/ أيلول عام 2019. عاد داريو إلى نيويورك لزيارة كاسي، حينها اقترح فكرة انتقاله إلى المدينة التي أحب أجواءها منذ البداية، وكان بإمكانه تخيل نفسه يعيش هناك.
وبظل مشهد المطاعم المذهل في نيويورك، خطط داريو للعثور على وظيفة وترتيب إجراءات التأشيرة، وبدا الأمر وكأنه السيناريو المثالي لاستمرار علاقته بكاسي.
اعتقدت كاسي ذلك أيضًا، لذلك بدأ داريو البحث، حتى وجد فرصة للعمل كطاهٍ في مطعم إيطالي في بروكلين. وبعد شهرين، تمت الموافقة على تأشيرته.
يقول داريو: “لقد كان الأمر مثيرًا حقًا”.
العيش معًا
قضى كاسي وداريو 3 أشهر في نيويورك معًا، وكانا يشعران بالسعادة لوجودهما في المدينة ذاتها أخيرًا، حتى ظهرت جائحة كورونا التي أثرت على مشهد الفنون المسرحية في نيويورك، ومطاعمها.
ومع مرور عام 2020، أدرك الثنائي وجود موعد نهائي سيحدد مصير علاقتهما، إذ كان من المقرر أن تنتهي تأشيرة داريو في ديسمبر/كانون الأول، وفي أعقاب الجائحة، كان التجديد غير وارد.
وبالنسبة لكاسي وداريو، بدا أنه لم يكن هناك سوى ثلاثة خيارات قابلة للتطبيق: العودة إلى مسافة طويلة، أو الزواج، أو الانتقال إلى إيطاليا.
وكانت العودة إلى الحفاظ على علاقة عاطفية بعيدة المسافة يعني الشعور بآلام الفراق مجددًا، وهو أمر لم يرغب به أي منهما. وبينما اعتقدت كاسي وداريو أن مستقبلهما كان في الزواج، إلا أنهما لم يشعرا أنه كان مناسبًا لهما في تلك المرحلة.
وترك ذلك خيارًا أخيرًا أمامهما، أي الانتقال إلى إيطاليا.
وفكّرت كاسي في حياتها المهنية في نيويورك، وكانت العروض متوقفة وشعرت كاسي أنها وصلت إلى مرحلة يجب فيها التراجع لتبدأ من جديد.
بحثت كاسي عبر الإنترنت ووجدت أكاديمية للغات في فلورنسا تقدم تأشيرات دراسية، وتقدمت بطلب وسجلت للحصول على دروس في اللغة الإيطالية. وبعد ذلك، استعد الثنائي لترك نيويورك والانتقال عبر المحيط الأطلسي.
وقبل الصعود على متن الطائرة في يناير/ كانون الثاني 2021، نشرت كاسي مقطع فيديو على منصة “تيك توك” حول لقاء داريو، والانتقال إلى إيطاليا للاحتفال بهذه الخطوة المهمة في حياتها.
وعندما نزلت من الطائرة، وجدت أن مقطع الفيديو أصبح متداولاً.
وأثناء قضائها فترة الحجر الصحي الإلزامي في المنزل لمدة أسبوعين، واصلت كاسي نشر مقاطع فيديو عبر “تيك توك”.
وبينما كانت كاسي تدرس اللغة الإيطالية وتُدرِّس اللغة الإنجليزية عبر الإنترنت، كان داريو يبحث عن عمل، وبدأت فلورنسا تفتح أبوابها ببطء.
وسرعان ما أصبح التأقلم مع الحياة الإيطالية أسهل بالنسبة لكاسي بفضل عائلة داريو، التي رحبت بها حتى مع وجود عوائق في التواصل بسبب اللغة.
وبعد حوالي ستة أشهر، توقفت كاسي عن تدريس اللغة الإنجليزية عبر الإنترنت وقرّرت العمل مع وسائل التواصل الاجتماعي بدوام كامل.
الحياة في إيطاليا
وبعد مرور نحو 4 أعوام، قامت كاسي بتوسيع تواجدها على منصات التواصل الاجتماعي لتحويل منصتها إلى شركة سياحة، حيث نظمت جولات جماعية حول إيطاليا، ونشرت أدلة السفر الخاصة بها.
وفي الوقت ذاته، لا يزال داريو شغوفًا بالطهي ويعمل الآن كطاه في أحد مطاعم فلورنسا.
يشجع الثنائي بعضهما البعض في حياتهما المهنية ومساعيهما، كما أنهما يحبان العيش في فلورنسا، واستكشاف إيطاليا معًا.
وعند النظر إلى الماضي، تجد كاسي أن قرارها العفوي بالسفر بمفردها إلى إيطاليا دفعها إلى العثور على مهنة جديدة، وحب حياتها.
وتضيف: “أنت لا تعرف حقًا ما تخططه الحياة لك. وهناك الكثير من التجارب الجيدة في انتظارك. وعليك فقط أن تثق بها”.