وجدت آلاف العائلات المغربية نفسها في العراء، بعضها افترش الأرصفة، والآخر حصل على خيم مؤقتة، إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب إقليم الحوز.
تحوّل أغلب سكان قرية أسني، وتبعد نحو 50 كلم عن مراكش، إلى لاجئين في مخيم قريب من منازلهم المدمّرة.
فطيمة (54 عاماً) لم تدرك فوراً ما جرى، خرجت مسرعة من منزلها على وقع الضجيج. لم تعلم في البداية أنّ ما يحدث هو زلزال.
تقول لبي بي سي نيوز عربي إنها فضلّت الموت في الخارج على أن تموت وحدها في المنزل.
هي أرملة تعيش مع ابنيها، وزوجة أحدهما وابنته.
ابنها كمال قال لنا إن منزلهم انهار بالكامل بسبب هشاشته.
وأضاف أن جميع أهل القرية تقريباً فقدوا منازلهم بسبب بنائها الهش، وحتى البيوت التي صمدت في القرية، بفضل نوعية بنائها الجيد، تصدعت وتشققت جدرنها.
“لا ندري كم سيطول الأمر”
تسكن العائلة الآن بين العراء والخيم الزرقاء في الساحة المجاورة.
قال كمال إن “الخيم صغيرة وعددها محدود”، يضطرون إلى اقتسامها بين ثلاث أو أربع عائلات، مع منح الأولوية للنساء والأطفال.
كان كمال يعمل في فندق، لكنه خسر عمله أيضاً عقب انهيار الفندق بسبب الزلزال.
يقول لبي بي سي نيوز عربي، إنهم تلقوا مساعدات تضامنية مثل الغذاء والأغطية من المحسنين، وإنهم حصلوا على الخيم من السلطات المحلية وجهاز الوقاية المدنية.
لم يسمع كمال حتى الآن أي معلومات رسمية بشأن خطة لتوفير بدل مادي أو سكن بديل، لا في قريته ولا في القرى الأخرى.
يقول: “هذه هي المشكلة، لدينا قلق حول الموضوع خاصة بالنسبة للأطفال الصغار، أمّا نحن، سنحاول الصبر والتحمّل”.
وناشد السلطات أن تفعل ما في وسعها للمساعدة قائلاً “لا ندري كم سيطول الأمر”.
الشتاء وموسم المدارس على الأبواب
يخبرنا كمال أن الطقس أصبح بارداً. “لا يمكنك البقاء في الخارج ليلاً. حتى الأغطية رطبة بسبب برودة الجو”.
وتابع قائلاً: “ليس لدينا أي مشكلة في أي سكن بديل، المهمّ أن يكون مؤمناً وفيه مراحيض، حالياً لا مراحيض لدينا”.
لكنه قال إنه يفضل بالتأكيد حلولاً في موقع قريب، ليتمكنوا من استرجاع بعض مقتنياتهم من تحت الركام.
يجد من فقدوا منازلهم بفعل الزلزال أنفسهم أمام معضلة أخرى غير المأوى والسكن قبل حلول فصل الشتاء القريب. فالمدارس في المناطق القريبة من منطقة الزلزال دمّرت بالكامل.
يقول كمال إن المدراس في منطقته “كلها انهارت، ولكن المدارس الأكثر قرباً لمراكش لم تتضرر بالدرجة ذاتها، هنا انهار كلّ شيء”.
يلخّص كمال مطالبهم بكلمتين “السكن والدراسة للأطفال فقط”.
أغلب سكان أسني كانوا يعملون في السياحة. لكن كمال استبعد عودة القطاع السياحي حالياً، “المهمّ الآن أن نحصل على تعويضات مالية”.
لم تصدر بعد أي تقديرات رسمية تحصي حجم الأضرار بالكامل، لكن مشاهد الدمار تشير إلى أن هناك حاجة إلى الكثير من الوقت والجهد والمال لإيواء المتضررين، ولاحقاً، إعادة إعمار المنطقة.
الحكومة المغربية أعلنت عن خطة من ثلاث مراحل. المرحلة الثانية تبدأ بعد انتهاء أعمال الإنقاذ وتشمل إعانة المنكوبين الذين فقدوا سكنهم. لكنها لم تكشف بعد عن تفاصيل هذه المرحلة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، تضرّر أكثر من 300 ألف شخص في مراكش وجبال الأطلس.
وأكدّ رئيس الحكومة المغربية عبد العزيز أخنوش، في تصاريح نقلتها وسائل الإعمال إن الحكومة ستعمل على إعادة إعمار المنازل المدمّرة.
وقال أخنوش يوم الإثنين، في ختام اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة لمعالجة الأزمة الناتجة عن الزلزال، إن الأيام القليلة المقبلة ستحمل إعلاناً عن تصوّر لبرنامج عاجل تعدّه الحكومة لإعادة التأهيل والبناء.
وصادقت الحكومة المغربية على إنشاء صندوق خاص لتلقي المساهمات والتبرعات لمعالجة الأزمة.
لكن وفق تجارب مماثلة، في المغرب وفي دول أخرى ضربها الزلزال، سيكون من الصعب أن نشهد عودة النازحين إلى منازلهم ومناطقهم المتضررة بحلول الشتاء القريب.
شهد المغرب زلازل مدمرة في التاريخ القريب، ويخشى المتضررون من الزلزال الأخير أن تتأخر استجابة السلطات.
فكيف تعاطى المغرب مع زلازل سابقة وقعت على أرضه؟
زلزال أغادير 1960
الزلزال الأكثر تدميراً في تاريخ البلاد وقع عام 1960 في أغادير جنوب البلاد.
أتى الزلزال على معظم مساحة المدينة وراح ضحيته نحو 15 ألف شخص.
كان ذلك العام الأخير في ولاية الملك محمد الخامس الذي توجّه برفقة ولي العهد الحسن الثاني وأطلق نداء تضامن شعبي لمواجهة الأزمة الناتجة عن الزلزال.
أنشئت في البداية مخيمات عشوائية لإيواء السكان الناجين من الكارثة، ثم وزّعوا على مخيمات بإشراف من الجيش والهلال الأحمر المغربي.
لم يكن لدى المغرب حكومة آنذاك، وكانت السلطة في يد الملك بشكل مباشر. وكلّف حينها نجله الحسن الثاني بالإشراف على عمليات الإنقاذ ولاحقاً إعادة الإعمار.
بعد عام، توفي الملك محمد الخامس وخلفه نجله الحسن الثاني الذي وضع حجر الأساس لإعادة إعمار المدينة في يونيو/حزيران 1961.
أطلقت خطة من ثلاث مراحل لبناء المدينة من جديد، على بعد 2 كلم من موقع المدينة الأصلي.
انتهت المرحلة الأولى من بناء المدينة عام 1972، لتبدأ مرحلة أخرى من البناء السكني.
في تقرير عن ذكرى وقوع الزلزال عام 2008، ذكرت صحيفة “مغرس” أن الناجين حصلوا على تعويضات عبارة عن مبالغ مالية وبطاقات خاصة بالمنكوبين، وعلى مساحات لتشييد منازل جديدة.
زلزال الحسيمة 2004
تعرضت الحسيمة لأكثر من زلزال كان آخرها وأعنفها في فبراير/شباط 2004، أدى إلى وفاة أكثر من 600 شخص وإلى أضرار جسيمة في الممتلكات والمنازل. وتسبب بتدمير قرية “آيت كمارا” غرب الحسيمة بشكل شبه كامل.
وردت تقارير عن مساعدات مالية خارجية لإعادة الإعمار، وعن خطة حكومية لتنمية تلك المناطق الريفية بعد عقود من النسيان.
لكن تقارير أخرى ذكرت أن أهالي بعض القرى المتضررة تظاهروا مراراً للاحتجاج على بطء أو تأخر إنجاز إعادة إعمار المنازل المتضررة.
وذكرت تقارير صحافية، في ذكرى مرور عشر سنوات على الكارثة، أن بعض الملفات كانت لا تزال عالقة وأهمها إعادة المنكوبين إلى المنازل. فقلّة فقط من سكان المناطق النائية استفادت من برامج إعادة إعمار المناطق المتضررة.
وعرفت تماسينت، أكثر المناطق تضررا في الحسيمة احتجاجات عديدة، أبرزها بعد مرور أربع سنوات على الزلزال.
وذكرت صحيفة “هسبريس” عام 2008 أن أهالي تماسينت عاشوا “شبه مشردين ومنكوبين وسط جدران آيلة للسقوط ووسط خيام تسببت في الكثير من الأمراض خصوصا للمسنين والأطفال والنساء”.
وشهدت المنطقة ذاتها وقفة احتجاجية عام 2009، نظمها ممثلون عن أكثر من 60 منزلاً مدمراً، اعتراضاً مرة أخرى على التأخر في إعادة الإعمار.