مضى حوالي واحد وسبعون عامًا على وفاة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، مؤسس المملكة العربية السعودية، ومنذ ذالك اليوم مازال هناك العديد من الذكريات والمواقف التي لا تنسى مع هذا القائد الملهم والعظيم، فمن المستحيل أن ننسى أنه كان في مقدمة الصفوف لمواجهة جميع التحديات في شبه الجزيرة العربية وتوحيد الوطن وبنائه من جديد.
ويعتبر استرداد الرياض على يد المغفور له الملك عبدالعزيز سنة 1319هـ / 1902م من أبرز وأهم الأحداث التاريخية التي غيرت مجرى تاريخ الجزيرة العربية في العصر الحديث. فهو ضحى بكل شيء في سبيل استرجاع الرياض وتوحيد الوطن تضحيات لا تعد ولا تحصى، ومن المستحيل أن نجد قائدا يبذل مثل هذا المجهود فداء لأبناء وطنه مثلما رأينا كم المجهودات التي بذلها الملك عبدالعزيز في سبيل هذا بناء وارتقاء هذا الوطن.
على الرغم من أنه معروف بحزمه وحسمه وقوته، إلى أنه دائمًا كان يهتم بالجوانب والمواقف الإنسانية في المقام الأول، مواقفه وعطاؤه الدائمان هما من يتحدثان عنه، وهذا ما يمكننا أن نستشفه من خلال حرصه وإصراره الشديد على وضع رؤية شاملة للتطور الاجتماعي والاقتصادي، ورغبته الدائمة في تحقيق العدل والمساواة بين كافة طبقات المجتمع، فالعدل والمساواة كانا شعار ملكنا العظيم، وهناك العديد من المواقف التي نعلمها جميعًا والتي تثبت أن قائدنا الحكيم كان كل ما يشغله هو كيفية خلق حياة كريمة لكل مواطن وخلق لهم أفضل مستوى اجتماعي على جميع المستويات، – رحمه الله – لم يكن ينام الليل تفكيرًا في كل مواطن بسيط، في هذا المقال نستكشف معًا بعض المواقف الإنسانية لقائدنا الكريم ودورها في التأثير على المجتمع والإنسانية بشكل عام.
المواقف الإنسانية للملك عبدالعزيز هي من ضمن المواقف الملهمة في العطاء والرحمة التي من المستحيل أن تجد قائدا أو ملكا آخر يكون له مواقف مشابهة مثل قائدنا الحكيم، فرحمه الله كان لديه قدرة خاصة في فهم وأإدراك معاناة شعبه، ودائماً ما كان متواجدا في مقدمة الصفوف لمساعدتهم وتقديم الدعم الكامل لهم في أوقات الشدائد، فعلى الرغم من المعاناة والجهد الذي بذله لبناء وتطوير المملكة وتوحيد القبائل إلى أنه لم يغفل حقوق المواطنين على الإطلاق، وكان يضع مصلحة وحقوق شعبه في المقام الأول وقبل كل شيء.
وتتجلى طيبة ولين قلب المغفور له في العديد من المواقف الإنسانية، فهو كان أول المتعاطفين مع كل الفقراء والمساكين، فكل ما كان يشغله هو كيفية تحسين الظروف المعيشية لكل مواطن يعيش داخل المملكة، وهذا ما يمكننا استشفافه بسهولة من كم المدارس والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية المختلفة والتي كان معظمها بالمجان لخدمة كل مواطن بسيط، فكان دائمًا يبذل مجهودا مضاعفا لا يمكننا إيجاد ملك آخر يبذل هذا الكم من الجهد حتى يتمكن من توفير الخدمات الأساسية لشعبه.
التواضع والتواصل الدائم مع الناس هو كان أسلوب حياة ملكنا، فهو كان يستمع لأي مشكلة يعاني منها أي مواطن ويستمتع بحلها، ويسعى جاهدًا لإيجاد الحلول الجذرية لأي مشكلة يقابلها أي مواطن، فكان يرى كل أسرة سعودية هي أسرته، وهذا ما كان يبرز في كل موقف تدخل فيه رحمه الله.
وواحدة من أكثر المواقف دلالة على مدى الإنسانية التي كان يتحلى بها قائدنا الكريم هو ما حدث في الحرب العالمية الثانية، ففي ذروة الحرب والصراعات التي شهدها العالم أجمع كان أول المرحبين بإنشاء المضافات لإطعام المحتاجين، وتقديم جميع الإمدادات من أدوية ورعاية وملابس لجميع سكان المدن وأهل البادية، شاحنات معبأة بخيرات الله تبرع بها لهم رأفة بالوضع الذي كانوا فيه.
وموقف آخر إذ دل على شيء فهو يدل على أنه لا يوجد قائد عظيم وحكيم أكثر منه، وهو في فترة معينة كان هناك ندرة ملحوظة في الموارد المالية، وكان دفع الرواتب الكاملة لموظفي الدولة أمر شبه مستحيل، فلم يتعين عليه سوى مشاورة اثنين من مستشاريه للبحث عن مخرج من هذه الأزمة، فقدم أحدهم اقتراحا بأن الحل الأوفر حظًا هو تسريح نصف الموظفين، وبالتالي إتاحة فرصة إعطاء المرتبات للنصف الآخر، ولكن كان رده الحاسم والقاطع أنه مستحيل أن يلجأ لهذا النوع من الحلول، وكان رده فعله هي أنه قال أنتما اثنان لنبدأ بكما ولنسرح أحدكما، وهنا تبرز حكمة ورؤية ملكنا الخلوق – رحمه الله -.
من شدة كرمه وحبه لشعبه كان ملقبا بمحامي المحتاجين، فهو كان يرى أنه المسؤول الأول عن حصول كل مواطن على حقه، فهو له في كل شأن ذكره طيبة، ففي أحد المواقف ذهبت إليه امرأة كبيرة في السن، وبدأت في سرد مشاكلها وأنها لديها ميراث، ولكنها لا حول لها ولا قوة وليست قادرة على أخذ حقها ممن ظلمها، فلم يتعين منه سوى اتخاذ كافة الإجراء اللازمة لمساعدتها وإرجاع لكل ذي حق حقه.
في النهاية لا يسعنا سوى أن نستلهم الكثير والكثير من الروح الإنسانية العظيمة التي كانت لدى الملك عبدالعزيز – رحمه الله -، فكانت رحمته بارزه في كل تصرف وكل ردة فعل يتخذها في المواقف المختلفة، فقد كان دائمًا ما يضع المصلحة العامة وكيفية تحقيق حياة كريمة مرفهة لشعبه في الاعتبار الأول، وقبل كل شيء كان يترك إرثاً حقيقيا تتجلى فيه كل معالم الإنسانية والرحمة والعطاء والكرم.