التخطي إلى المحتوى

ما بين الإفراط والتفريط في تعامل المرأة مع كرة القدم!

تقول الأسطورة إنّ الشيطان أغوى حواء لتقنع آدم بأكل الثمرة من الجنة، فقرر السير على خطاها لينتهي به المطاف مطرودًا وهابطًا إلى الأرض الدنيا.

نقول إنها أسطورة، لأن النصوص المقدسة – على الأقل الإسلامية منها – لم تقل أبدًا إنّ حواء من تسببت في هبوط آدم من الجنة، بل الشيطان من أغوى الإنسان.

تقول الأسطورة إنّ حواء هي السبب، أو ربما لأن الأسطورة كانت من نسج خيال بني آدم فأرادوا أن يخرجوا منها سالمين ويضعوا اللوم كله على حواء فقط.

سواء آمنت بهذه الفكرة أو رفضتها، فلا يمكن تجاهل تأثير حواء في كل الجدل السائد في العالم، عربي كان أو غربي، حتى بدا وكأن الكون كله يسير في دائرة من صنع المرأة.

وحتى حينما قفزنا إلى معترك بدأ في الأساس ليكون وسيلة إنقاذ الشباب – الذكور تحديدًا – من ممارسة العادة السرية ولجوئهم إلى لعبة بديلة يظهرون فيها رجولتهم وصراخهم وعصبيتهم دون قيود، جاءت حواء لتغير كل شيء.

كرة القدم في السنوات الأخيرة تأثرت بشكل واضح بما تقدمه المرأة، ولعبت دورًا كبيرًا خارج وداخل الملعب لتشكل جزءً أساسيًا من الرياضة التي اعتادت لسنوات طويلة أن تكون ملاذًا للرجال أكثر من أي شيء آخر.

لا إفراط ولا تفريط

يقول الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو إنّ الفضيلة وسط بين رذيلتين، لكن يبدو أن العالم يفضل دائمًا الميل إلى أحد الرذائل، وربما لأن الوقوف على الخط الفاصل بينهما أمر صعب للغاية.

هكذا تبدو المناقشات حينما يتعلق الأمر بالنساء في كرة القدم، وبالأخص مؤخرًا فيما يتعلق بقضيتي أنتوني، نجم مانشستر يونايتد، المستبعد من منتخب بلاده وكذلك فريقه بتهمه الاعتداء الجسدي على صديقته السابقة، وكذلك قُبلة رئيس الاتحاد الإسباني السابق لويس روبياليس على شفاه جيني هيرموسو والتي أدت لاستقالته.

دعونا في البداية نقول إنّ كل قضية مختلفة عن الأخرى، ولكن الرابط بينهما فقط هو دخول امرأة على الخط مما أدى لتغيير كل شيء.

كيف يمكن أن نرى هذا الخط الفاصل بين الرذيلتين، وكيف يمكن ألا نبالغ في الانحياز لفصيل على الآخر إن أرادنا إنصافًا؟

لا إفراط

أمامنا الآن حالتين متشابهتين كثيرًا في فريق واحد، هما ميسون جرينوود وأنتوني لاعبا مانشستر يونايتد.

جرينوود دخل السجن منذ عام تقريبًا بتهمة الاعتداء على صديقته، والأخيرة نشرت صورًا ومقاطع للفيديو تُظهر أثار الاعتداء، لكنّه بعد عام خرج دون اتهام، لكن إدارة مانشستر يونايتد رفضت إعادته للفريق ليذهب معارًا إلى خيتافي.

جرينوود صار مجرمًا ومستحق للعقاب بعد دقائق فقط من إعلان صديقته تعرضها للاعتداء، هكذا دون تحقيق أو محاولة فهم، فأصبحت المرأة في هذه الحالة صادقة طوال الوقت حتى دون أن نحاول منح اللاعب أفضلية الشك.

تدمرت حياته سريعًا، فخرج من معسكر النادي وتم استبعاده من لعبة فيفا وحتى عقده مع إحدى شركات الملابس فُسخ مباشرة.

وبعد عام، جاء أنتوني ليتعرض لاتهام مماثل من صديقته السابقة، وأيضًا قبل أن يتسنى له الدفاع عن نفسه، وجد نفسه ممنوعًا من السفر مع منتخب بلاده وموقوفًا مع فريقه.

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نبرأ اللاعبين أو نقول إن الفتاتين كذبا بحق الاعتداء، فنحن لا نعرف الحقيقة كاملة، لكن ما نعرفه أنّ فريق مانشستر يونايتد والصحافة والجمهور أسرعا لدعم الفتيات سريعًا دون محاولة الصبر وفهم ملابسات القضايا.

هكذا الإفراط في منح المرأة حقوقها قد يجعلها تستغل الأمر لتكذب وتدعي زورًا على مشاهير وتضمن الحصول على ما هو أكثر من حقها، فالخوف من الوقوع في رذيلة الظلم قد يؤدي إلى الوقوع في رذيلة الظلم أيضًا.

الإفراط حتى قد يجعل امرأة في المستقبل تُظلم بعد تعرضها لتعامل عنيف من لاعب كرة أو شخصية مشهورة، ويبدأ البعض في تصور أنها كاذبة مدعية لأن هناك من سبقها في الكذب والادعاء. الصبر والتحقق هو الأهم قبل إلصاق التهم سريعًا.

التفريط

وبينما انقلب العالم سريعًا بعد أزمة أنتوني، تباطئ العالم كثيرًا حينما قرر روبياليس أمام الجميع تقبيل لاعبة على شفاها دون موافقتها وهكذا بكل سهولة.

في 2018، النرويجية آدا هيجربرج، لاعبة ليون، كسبت أول كرة ذهبية في العالم للسيدات ووقتها طلب مقدم الحفل – منسق موسيقى DJ فرنسي – منها أن ترقص أو للدقة twerk وبعدها جذبها ليرقصا سويًا.

لم تمر أيام حتى كتبت آدا مقالة عظيمة على موقع بلايرز تريبيوت بعنوان “لسنا هنا لنرقص” لتحكي قصتها من البداية حتى الفوز بالكرة الذهبية وكيف كانت قصة ملهمة مثل قصص لاعبين كثر نتغنى بهم.

تمر السنوات والكرة النسائية تصل إلى مرحلة أفضل ويزداد المداخيل المالية، وفرق مثل برشلونة مثلا اهتمت بها بشكل أكبر لينجح الفريق النسائي في حصد لقب دوري أبطال أوروبا مرتين بينما فريق الرجال يعاني في تجاوز دور المجموعات، وحتى ريال مدريد أنشأ فريقًا للسيدات، ورغم ذلك لم تتغير نظرة الرجل للمرأة في كرة القدم.

في 22 أغسطس 2023، وبعدما حقق منتخب إسبانيا للسيدات إنجازًا تاريخيًا برفع لقب كأس العالم للمرة الأولى، يأتي روبياليس ليقرر تقبيل اللاعبة جيني هيرموسو أثناء الاحتفالات، ويحول الاهتمام بمجد كبير لبلده لأزمة كبيرة تخص القبلة غير المتفق عليها.

في البداية دافع عنه الكثيرون، بل حتى هو رفض تقديم استقالته وصفّق له المئات من الحضور، لكن بعد ضغط قرر مغادرة منصبه دون أن يعترف بالخطأ بل فقط ليتخلص من كل هذه الضغوط.

المرأة هنا كانت مظلومة، فتاة لم تجد في البداية من يدافع عنها حتى الفتيات مثلها، وأكثر ما حصلت عليه هو استقالة روبياليس.

التفريط لا يزال موجودًا، والتعامل مع اللاعبة على أنّها لاعبة تمارس كرة القدم قبل التفكير في كونها امرأة تسبب في عدم الاكتراث.

وهنا لنعود للقضية الأساسية، المرأة لها حقوق ولا يجب أبدًا التعامل معها بصورة أقل من غيرها، ولكن يجب أن يسير الأمر في إطار العدالة دون إفراط أو تفريط، ودون التورط في القفز على الرذائل ومحاولة الوقوف بينهما لتحقيق الإنصاف!