على بعد نحو 50 متراً من صومعة الكتبية في مراكش المغربية، وقف مرشد سياحي يعرض أمام فوج من السياح الأجانب جوانب من تاريخ هذه المعلمة التاريخية. لكن على غير العادة، لم تكن هناك إمكانية للاقتراب أكثر من الصومعة والمسجد، منذ أن وضعت السلطات بعض الحواجز، بعد ظهور بعض الشقوق البسيطة بالبناية بفعل الزلزال.
بالنسبة للمغاربة بشكل خاص، والمهتمين والمعنيين بالتراث الإنساني بشكل عام، يبقى كل حديث عن خطر يواجه مَعلمة تاريخية من قيمة صومعة الكتبية، مدعاة للخوف والتضامن، وهو ما عبّرت عنه أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، حين غرّدت على موقع «إكس» (تويتر سابقاً) للتعبير عن تضامنها مع الشعب المغربي.
على المستوى المحلي، تحدث مصدر رسمي بالوزارة عن عملية إحصاء من طرف مفتشي المباني والآثار التاريخية بهدف إعداد تقرير في هذا الشأن، كما جرى اجتماع ترأسه محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، خُصص لإعداد برنامج استعجالي يهم جميع المباني والآثار التاريخية، وفي مقدمتها مسجد «تنمل» التاريخي، القريب من بؤرة الزلزال بإقليم الحوز، والذي تعرّض لضرر كبير بفعل الكارثة الطبيعية. كما لم يكن مفاجئاً أن تسارع «يونيسكو« لإعلان انشغالها بتأثير الزلزال على الموروث التاريخي بمراكش، وغيرها من المناطق التي هزّها زلزال الحوز.
وتضم مراكش والمناطق المحيطة كنزاً تاريخياً. ففي مراكش، مثلاً، توجد أماكن أدرجتها المنظمة الدولية ضمن التراث العالمي، وهناك كم كبير من البنايات التاريخية التي تعود إلى فترات متفرقة من تاريخ البلد، من قبيل «القبة المرابطية»، و«قصر البديع» و«مدرسة بن يوسف»، و«قصر الباهية» و«قبور السعديين»، فضلاً عن «ساحة جامع الفنا»، وكذا الحدائق التاريخية، مثل «المنارة» و«مولاي عبد السلام» و«أكدال» و«ماجوريل»، دون نسيان السور التاريخي، الذي يحيط بالمدينة العتيقة، والذي يناهز طوله 9 كيلومترات، بأبواب شهيرة، أبرزها «اكناو» و«النقب» و«دكالة» و«الدباغ» و«الخميس»، و«الرُّب» و«ايلان» و«اغمات».
ويعرف المغاربة قيمة تراثهم المادي وغير المادي، وأنه رأسمال حضاري ومبعث فخر لهم. ولذلك؛ خرجت أصوات تعبّر عن انشغالها بمدى تأثر البنايات التاريخية بالمناطق الذي هزّها الزلزال، وهو شيء عبّروا عنه من خلال تقاسم صور بعض التصدعات البسيطة التي أصابت السور التاريخي لمراكش، والأضرار الكبيرة التي أصابت مسجد «تنمل»، مثلاً. لكن صومعة الكتبية تبقى من أكثر البنايات التاريخية التي طرحت بشأنها الكثير من الأسئلة. يبدو ذلك طبيعياً، بحكم أنها تختصر هوية مراكش، وهي التي يرتبط تاريخ تأسيسها بسلالة الموحدين التي حكمت بلاد المغرب والأندلس بين 1121م و1269م، أما شكلها المعماري، وهيبة النظرة التي تتركها في النفوس، فيعبّران عن محطات زاهية من الحضارة المغربية.
بعد مرور خمسة أيام على الزلزال الذي صدم الجميع، يبدو سياح مراكش وهم يتجولون في ساحة جامع الفنا ومحيطها أكثر انشراحاً، مقارنة بما كان عليه الأمر خلال الساعات الأولى من حدوث الزلزال. يشغلون كراسي غالبية المقاهي والمطاعم، يلتقطون الصور، وهم يخوضون في حوارات تبين أنهم قادمون من مناطق متفرقة من العالم.
سألت «الشرق الأوسط» أحدهم عن مدى تأثره بالزلزال، فرد بابتسامة وإنجليزية فيهما كثير من هدوء شرق آسيا: «أنا من اليابان»، في إشارة إلى تاريخ هذا البلد وسكانه مع هذا النوع من الكوارث الطبيعية.
وغير بعيد عن السائح الياباني كان هناك شابان يتحدثان مع أحد مروضي القردة لأخذ صور مع حيوانه الوديع. ووسط هدوء الصباح الملحوظ في هذا الجزء من الساحة بدا الأمر كما لو أن الهزة الأرضية التي شغلت العالم لم تقع. وحدها الحالة التي صارت عليها صومعة مسجد «خربوش»، بالقرب من «مقهى فرنسا»، تعيد الزائر إلى صدمة ما حدث، وتذكره بأن الزلزال الذي انطلق من الحوز ليحيل بنايات ودواوير (كفور) كثيرة إلى ركام، سيتطلب بعض الوقت قبل أن تستعيد النفوس والبلاد شيئاً من الحالة، التي كانت عليها قبل هزة أرضية استغرقت أقل من دقيقة.
غير بعيد عن ساحة جامع الفنا، وعلى بعد أمتار من «قصر الحجر» التاريخي، الذي يعد النواة الأولية لتأسيس مراكش على يد الأمير المرابطي أبو بكر بن عمر سنة 1071، بالقرب من محيط الكتبية، انشغل شاب من السنغال يدعى جبريل بترتيب ما سيعرضه على السياح من نظارات وقبعات. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنها كانت أول مرة يعيش فيها تحت وطأة زلزال. وإنه يحب المغرب، كغيره من السنغاليين.
وغير بعيد عن جبريل، كان هناك شاب مغربي يمتهن بيع عصير الرمان، يدعى الحسين، وينحدر من بلدة أمزميز. حين سألته «الشرق الأوسط» حول مدى تأثر نفسيته وتجارته بالكارثة الطبيعية، رد بنبره ملؤها الحزن والألم، وهو يوجّه نظره وإحدى يديه نحو المناطق القريبة من بؤرة الزلزال: «الحمد لله على كل حال. آلمني مستوى الدمار الذي حل بعدد من الدواوير، هناك».