ريشا سركيس لـ«الشرق الأوسط»: على الفنانين إعطاء المخرج الفرصة كي يتجددوا
الغرابة بكل ما للكلمة من معنى تشكل العنوان العريض لكليب أغنية الفنانة يارا «مش بمزاجك». ففكرة الكليب الذي وقعه ريشا سركيس تخرج عن المألوف، وتجذب العين وتشغل الذهن.
من شاهد الكليب يعرف أننا نتكلم عن أغنية إيقاعية خفيفة الظل. كتب كلماتها ولحنها عزيز الشافعي بالمصرية. وهي من ضمن أغاني الألبوم الذي تعمل يارا على وضع اللمسات الأخيرة عليه استعداداً لطرحه قريباً.
وتنحصر مشاهد الكليب المصورة بشفاه ملونة تغني. وأحياناً تكون مرصعة بالكريستال و«الباييت» اللماعة، ونكتشف في اللحظات الأخيرة أنها تعود للفنانة يارا. للوهلة الأولى لن يستطيع مشاهد «مش بمزاجك» إحصاء عدد الرسائل الإنسانية التي يحملها، ولكنه سيدركها عندما يشاهده مرة ثانية وأكثر لأن إشارات كثيرة تدله عليها.
هذه الرسائل الباطنية تتناول كم الأفواه والحريات وإخفاء الحقيقة وغيرها. فالتركيز يأتي على أحد ملامح الوجه المعبرة ألا وهو الفم، وهو يمثل البداية والنهاية لكل موقف وحديث، فمنه تخرج عبارات الغضب والحب والإحباط والفرح، فتؤثر على علاقاتنا الاجتماعية سلباً أو إيجاباً.
كل هذه العناوين جمعها ريشا سركيس في هذا الكليب الذي يصفه بـ«شاغل العين والفكر». قد يعجبك الكليب أو العكس إلا أنه في النهاية لا يمكن أن يمر مرور الكرام على عين مشاهده.
لا شك أن الفكرة كان يلزمها الجرأة من صاحبها كي يضعها بتصرف الناس. فمن أين استوحاها، وما قصتها؟ يرد ريشا سركيس لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن لأي مخرج أن يعرض فكرة جديدة وجريئة على الفنان صاحب الأغنية. ولكن ما هو ليس عادياً أن يملك النجم الجرأة للقيام بها. وهو ما حصل مع يارا الباحثة دائماً عن الأفضل. والمحاطة كذلك بفريق عمل محترف يعرف كيف يطور صورة يارا الفنانة ويدفعها إلى الأمام».
الهدف الأساسي الذي وضعه ريشا أمام عينيه في هذا الكليب هو إخراج يارا من النمطية السائدة على الساحة. «كنت أبحث عن قفشة تترك أثرها عند يارا ومحبيها».
استوحى الفكرة كما يقول من خبير التجميل ألبرتو. «لقد لفتني أسلوبه في وضع مساحيق التجميل على وجه المرأة وبالأخص على الشفاه. فهو اشتهر باعتماده (لوكات) لافتة، لاقت الإعجاب من غالبية النساء اللاتي يرتدن محله. خزنت الفكرة في رأسي وعندما حان الوقت أخرجتها واستعملتها ضمن عمل فني».
برأي ريشا أن شخصية الفنانة يارا الراقية من ناحية وخفيفة الظل من ناحية ثانية شكلت حيزاً كبيراً له كي يكملها بفكرة الكليب. «كيفما أطلت يارا تبقى محافظة على رقيها برأيي. وعندما وافقت على الفكرة ونفذتها، أدركت أنني استثمرتها عند الشخص المناسب».
لا نشاهد وجه يارا طيلة عرض الكليب ومدته تفوق الثلاث دقائق. فلا يكتشف مشاهده صاحبة الشفاه الملونة بالأحمر والأخضر والبرونزي مرات وبالأزرق والأصفر والبنفسجي مرات أخرى إلا في نهايته. ولجأ سركيس إلى يدي يارا لاستخدامها مؤثراً بصرياً يكسر مشهدية الشفاه التي تغني. وبواسطتها ركب الرسائل غير المباشرة التي أراد إيصالها.
ويعلق ريشا سركيس في سياق حديثه: «قد تكون الغرابة عنصراً أساسياً في هذا العمل. ولكننا في عصر السوشيال ميديا والموبايل، الغرابة لم تعد خفية على أحد. ولكن الأهم هو أن نصنع منتجاً لا يشبه غيره من قبل. فتراه العين ويفرح به الدماغ. فكما لاحظتم الأغنية تتجه إلى مكان والعنصر البصري إلى مكان آخر. ولكنها ترسم الابتسامة على ثغرك لا شعورياً. وحتى عندما نستمع إليها بالسيارة فكلامها ولحنها يبعثان على التفاؤل والفرح».
ينسجم تفكير سركيس مع مطالب الناس اليوم الباحثة عن فسحة الأمل والابتسامة. «العالم برمته يبحث عن الفرح بعد فترة زمنية قاسية عشناها على هذا الكوكب. وأغنية «مش بمزاجك» تفي بهذا المطلب لأنها خفيفة، وفيها الدلع الذي اشتقنا له عند يارا. وفي الحقيقة لم أكن أبحث عن الغرابة بقدر ما كان يهمني إشباع العين ببصرية مختلفة وإفساح المجال للفكر بأن يفرح».
حقق كليب الأغنية منذ عرض مقطع ترويجي له «الترند» على وسائل التواصل الاجتماعي. عدد كبير من الناس أعربوا عن إعجابهم به. وفي المقابل حصد انتقادات كثيرة وتدور غالبيتها حول الفكرة. يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «على الفنانين اليوم أن يعطوا المخرج الفرصة كي يذهبوا معه إلى مكان يتجددون فيه. فهم بذلك يبتعدون عن التكرار وعن المألوف وهو ما قامت به مؤخراً نجوى كرم. عرفت كيف تقلب صفحة كلاسيكية لتبدأ بأخرى أسهمت في تجديد حقبتها. فالمخرج الراحل يحيى سعادة في الماضي كان يقدم كليبات غير مألوفة، ولم يكن الفنانون يستسيغونها. ولكن تبين أنه كان سابقاً لعصره. وكانت الأفكار غير المستهلكة عنوانه». أما بالنسبة للانتقادات فيقول: «لقد قرأتها جميعاً، بعضها أحزنني، لأن الجهد لا يجب أن يقابل بالتسخيف. ولكني لا ألبث أن أنساها بعد لحظات، لأنها لا تستحق الاهتمام، إلا في حال كانت بناءة».
يعكس ريشا في الكليب شخصية يارا العفوية والمرحة كما يقول «أردت تسليط الضوء على صفات عندها يجهلها متابعوها. وعادة ما أستشير والدتي في أعمال أنفذها. وعندما شاهدت الكليب راحت تبتسم منذ اللحظة الأولى وأدركت أنه سينجح».
استغرق تنفيذ الكليب نحو 20 ساعة، إذ تطلب تصويراً خاصاً، وفي استوديو داخلي وعلى مساحة ضيقة إلى حد ما تم تنفيذه. «لم أكن أعلم أن إزالة لون أحمر الشفاه واستبدال آخر به يتطلب وقتاً. وعرفت فيما بعد أن الشفاه يجب أن تنظف وترتاح كي تتألق بلون جديد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن استعانتي بأسلوب خبير التجميل ألبرتو كان صائباً. فنحن الفنانين يجب أن نستفيد من مواهب بعضنا ونبحر فيها إلى آفاق أوسع».
يختم ريشا سركيس لـ«الشرق الأوسط»: «ليس من الضروري أن تمارس المشهدية البصرية تأثيرها على العين والدماغ. فالأهم هو الإحساس الذي تزودك به حتى ولو ولدت الجدلية حول العمل. فالفن بالفعل هو رسالة علينا أن نكتبها بحس عالٍ كي تلامس قلوب الناس».