أما العرب فلم يكونوا على جهل باللحن والموسيقى والإيقاع، إذ دوّنت المراجع التاريخية بأن «العرب جعلت الشعر موزوناً لمد الصوت فيه والدندنة، ولولا ذلك لكان الشعر المنظوم كالخبر المنثور»، وقد قال ابن رشيق القيرواني:
«الموسيقى حلة الشعر.. فإن لم يلبسها طويت».
وعرف العرب الحداء والنشيد قبل الغناء، وممن أشتهر في ذلك «سلام الحادي» في زمن الدولة العباسية، ومن رجزه:
ألا يا بانة الحادي..
بشاطئ نهر بغدادِ..
شجاني فيك صياح..
طرُوب فوق ميّادِ..
ومن المعايير الذوقية التي يفضلها العرب في المغنين، ما قاله ابن أبي إسرائيل: «هو الذي يُشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدّل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويُقيم الإعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطع النغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلسُ مواضع النبرات، ويتوقى ما يشاكلها من النقرات».
وتعتبر الروايات التاريخية المشيرة إلى عمق القصائد الفصحى والغناء في التاريخ الثقافي العربي، امتداداً أفضى إلى مهرجان «العناء بالفصحى»، وذلك لتحقيق العناية باللغة العربية كأحد الأهداف الإستراتيجية لرؤية السعودية 2030.