عادت أخبار مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، إلى الواجهة، مع تجدد الاشتباكات مساء أمس الخميس، بين حركة فتح وتنظيمات إسلامية متشددة، ما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى وتضرر مبان وممتلكات ما تسبّب في نزوح عشرات العائلات إلى خارج المخيم.
هي الجولة الثانية بعد المعركة التي اندلعت في 29 يوليو وانتهت بعد خمسة أيام نتيجة سلسلة اتصالات بين فصائل فلسطينية ومسؤولين وأحزاب لبنانية، حيث تم الاتفاق على ضرورة تسليم المشتبه بهم بمقتل القيادي في فتح أبو أشرف العرموشي وآخر ينتمي إلى المجموعات الإسلامية اعتبر مقتله شرارة لاندلاع الاشتباكات، لكن المهلة انقضت من دون أن يتم تسليم أحد.
انفلات الوضع في المخيم منذ الأمس، يضعه عضو قيادة فصائل منظمة التحرير في لبنان وعضو هيئة العمل الفلسطيني المشترك، غسان أيوب، في خانة ردة الفعل على اتفاق تم التوصل له في هيئة العمل الفلسطيني المشترك في منطقة صيدا، حول إخلاء مدارس الأونروا من كل المسلحين، ويقول لموقع “الحرة”، “يبدو أن المتضررين من هذا الانسحاب، أي المجموعات المتمركزة في المدارس والمشتبه بها باغتيال اللواء العرموشي، لم يرق لها ذلك ففتحت النار”.
يضم مخيم عين الحلوة عدة مجموعات إسلامية، لكن القوى الإسلامية الأساسية تشكل جزءا من هيئة العمل الفلسطيني المشترك، بحسب أيوب، ويقول “يوجد في المخيم بعض المجموعات الإسلامية التي لا تأخذ بعين الاعتبار، لا فكرياً ولا سلوكياً، أمن المخيم وحياة ساكنيه”.
معركة… “القيادة”
الهدف الأساسي من تفجير الوضع في “عين الحلوة”، هو “محاولة محور الممانعة القضاء على حركة فتح وتسليم قيادة المخيم إلى سلطة تابعة له كحماس والجهاد”، بحسب ما يرى مدير مركز تطوير للدراسات، هشام دبسي، ويقول “توثيق ما يحصل في المعادلة السياسية والإعلامية يؤدي إلى أن المطلوب هو رأس الحركة العلمانية الديموقراطية، لصالح القوى الإسلامية ذات الوزن الضعيف في المخيم والتي لا يمكنها السيطرة عليه، وبهذا المعنى هي رأس حربة لفتح اشتباك داخلي فلسطيني، ليصبح بعدها الصراع فلسطيني- فلسطيني، لإنهاء نفوذ حركة فتح من عاصمة مخيمات الشتات وتحويله إلى مخيم ممانع ومقاوم ومسلم على طريقتهم أي كما يصفون قلعة حق العودة”.
يلفت دبسي في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “محور الممانعة يتهم عبر إعلامه حركة فتح بتنفيذ مخطط أميركي إسرائيلي في المخيم لتوطين الفلسطينيين وإجهاض حق العودة، وبعد أن كان هذا الإعلام يصف الإسلاميين في المخيم بالإرهابيين والتكفيريين الذين يريدون ضرب خط المقاومة، أصبح يطلق عليهم قوى إسلامية”.
ويشير إلى رعاية رئيس “الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة”، الشيخ ماهر حمود، المعروف بانتمائه إلى محور الممانعة، للقوى التكفيرية وتسليحها ودعمها عبر سرايا المقاومة المنتشرة في الأحياء اللبنانية الثلاثة، الطوارئ والتعمير التحتاني والسكة، ويقول “تتألف هذه القوى من الشباب المسلم وجند الإسلام وفتح الإسلام وغيرها، سبق أن تم استخدام عناصرها في معارك مخيم نهر البارد قبل انتقالهم إلى عين الحلوة، ليتم بعدها طردهم من الجزء الفلسطيني في المخيم، في آخر اشتباكات حصلت قبل عامين، ليعودوا الآن بأسلحة وعتاد وذخائر وبفكر هزيمة المرتدين الخونة من حركة فتح”.
ويشدد “يشكل حمود الحاضنة والوجه السياسي والإعلامي المدافع عن القوى التكفيرية، فيطلب لها هدنة لمنع انهيارها والحؤول دون حسم فتح للمعركة، وهي الحركة التي تمثل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، والتي تربطها علاقة رسمية وشرعية مع الجيش وقوى الأمن اللبناني حيث التنسيق دائم بين هذه الأطراف حول قضايا عدة”.
لكن الشيخ حمود يرفض اتهام محور الممانعة بالوقف خلف ما يحصل في “عين الحلوة”، ويقول لموقع “الحرة” “ليس لحزب الله أي علاقة بما يحصل في المخيم لا من قريب ولا من بعيد، فكل همّه ضبط الوضع وحقن الدماء من دون أن يكون له هدف آخر أو حتى ممثل داخل المخيم، والحقيقة أن هناك اختراقاً إسرائيلياً يمثّله بعض النافذين في المخيم، هدفه تدمير عين الحلوة على طريقة نهر البارد وإعطاء صورة أن الفلسطينيين متخلّفون”.
ويضيف حمود “في هذه المرحلة من يطلق عليهم إسلاميون في المخيم، وضعهم متواضع وتكبيرهم في الإعلام هدفه إظهار الأمور وكأن هناك تكافؤ بين القوى، مع العلم أنهم أفضل من غيرهم من حيث الالتزام بالاتفاقات والحفاظ على أمن المخيم وعدم امتلاكهم أي مشروع للتوسع على عكس الآخرين”.
ضرورة الحسم
صدر مساء أمس بيان عن هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان دعت خلاله إلى وقف إطلاق النار في المخيم، والآن كل الجهود الجارية تنصب كما يقول أيوب على “تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة تنفيذ ما تم التوافق عليه بإخلاء المدارس من المسلحين” ويضيف “توافقت هيئة العمل الفلسطيني المشترك على تعزيز القوى الأمنية لجلب المشتبه بهم باغتيال اللواء العرموشي، لكن هناك من يحاول وضع العثرات أمام تنفيذ ما اتفق عليه”.
واليوم الجمعة، طالبت الأمم المتحدة، العناصر المسلحة في المخيم بوقف القتال وإخلاء المدارس التابعة لها “فوراً”، جاء ذلك في نداء عاجل أطلقه المنسق المقيم للمنظمة الدولية ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، حيث قال في بيان إن “الاشتباكات المستمرة في المخيم إلى جانب الاستيلاء المستمر على 8 مدارس تابعة للأونروا، تمنع وصول ما يقرب من 6 آلاف طفل على أعتاب العام الدراسي إلى مدارسهم”.
واعتبر ريزا استخدام المجموعات المسلحة للمدارس، بمثابة “انتهاك صارخ لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي”.
أما وضع النازحين من المخيم والتعمير والمناطق المجاورة للمخيم فـ”مأساوي”، بحسب ما وصف رئيس بلدية صيدا، حازم خضر بديع، مشيراً إلى أن “عشرات العائلات نزحت ليلاً إلى مسجد الموصللي وإلى بلدية صيدا التي استضافت وحدها أكثر من 300 شخص من أطفال ونساء وشيوخ”.
وناشد بديع، خلال تفقده لنازحين في باحة البلدية برفقة نائبه عبد الله كنعان وقائد شرطة البلدية بدر قوام، المنظمات الاغاثية المحلية والعالمية “مد يد المساعدة، لأن الوضع الصحي والاجتماعي للنازحين كارثي ونقدر أن أعدادهم ستزداد”، داعياً المسؤولين إلى الضغط بجدية لوقف إطلاق نار دائم”، واصفاً تداعيات الاشتباكات “بالكارثية على المخيم وصيدا ومنطقتها”.
ما يجري في المخيم مرتبط بحسب أيوب “بمشاريع خارجية، ومع ذلك هناك إمكانية لضبط الوضع. الموضوع ليس سهلاً وفي ذات الوقت ليس مستحيلاً”، أما دبسي فيرى أن “القوى التكفيرية توسّع معاركها في المخيم، وإذا لم تحسم فتح الأمر سيستمر مخطط محاولة القضاء عليها، وسيكون الوضع مأساوياً على المخيم وكذلك على مدينة صيدا”.