ليس جديدا أن يصدر البرلمان الأوروبى تقارير بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، وكالعادة يعتمد على مصادر ومعلومات مغلوطة، فى خلط واضح بين المطالب الحقوقية والتدخل فى الشؤون الداخلية للدول، وتجاهل أحكام القضاء.
وسبق للاتحاد الأوروبى – فى نوفمبر الماضى – أن تورط فى الاستناد إلى مصادر مشبوهة، معروف عن بعضها ارتباطه بتنظيمات إرهابية، ومنظمات كانت تدافع – علنا – عن تلك التنظيمات، وتصف الإرهابيين بأنهم «معارضون سياسيون»! وهى منظمات سعت للعب هذا الدور قبل – وأثناء – مؤتمر المناخ، وواجهت فشلا ذريعًا، وأصابها عجزها عن ترويج تجارتها الفاسدة والكاسدة، بخيبة أمل.
وجرت العادة لدى قطاعات من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى على إصدار تقارير تختبئ فيها خلف قضية حقوق الإنسان ضمن عملية الابتزاز السياسى، فالدول التى تنافس أو تخرج عن خطوط السياسات الأمريكية الغربية، تثار فيها قضايا الحقوق، لممارسة الابتزاز السياسى تجاه تلك الدول، ومع علمهم بقواعد التعامل مع أحكام القضاء، فهم يقفزون على القواعد، ويتدخلون فى أحكام وعمل القضاء، متجاهلين أن هناك أبوابا واضحة للتعامل مع أحكام القضاء.
وإذا كان مفهوما أن تنحاز المنظمات الحقوقية – المموّلة – للتنظيمات الارهابية، بل وتتحالف معها، فيفترض أن يتعامل البرلمان الأوروبى بما يناسب قيمته المؤسسية، ولا يتعامل بنفس طريقة منظمات الابتزاز.
هناك لغز دائم فيما يتعلق بتوقيت إصدار مثل هذه التقارير، والتى تأتى عادة ضمن حملات ممنهجة، مثلما جرى قبل وأثناء مؤتمر قمة المناخ، والجهد الذى بذلته مصر لطرح مطالب مواجهة التغير المناخى، يومها تجاهل البرلمان الأوروبى الجهد وأصدر تقريرا تدخل فيه – بشكل سافر – فى أحكام القضاء المصرى.
وهو ذاته ما يجرى مع القرار الأخير الذى يتزامن مع تحركات عدائية واضحة ضد الدولة المصرية، فى توقيت التجهيز للانتخابات الرئاسية، وبعد حوار وطنى شهد مشاركة واسعة من التيارات السياسية والمدنية، كما يتزامن مع حملات ممنهجة ومقالات مدفوعة وتقارير اقتصادية سلبية، ويثير هذا التزامن علامات استفهام وتعجب يؤكدها هذا الاحتفاء من قنوات ومنصات تنظيم الإرهاب فى الخارج، وعشرات المواقع المفتتحة حديثا، والتى تكشف عن اتفاق – أو شبه اتفاق – بين البرلمان الأوروبى وتحالف دعم الإرهاب، بجانب عدد قليل من عمقاء الداخل الذين اعتادوا الاحتفاء بمثل هذه التقارير، انطلاقا من شعور بالدونية، أو الوقوع فى فخ سوء الفهم والنية.
البرلمان الأوروبى يبدو فيه التسييس والتلاعب واضحَيْن، ومن حيث المضمون لم يكلف البرلمان الأوروبى نفسه مراجعة المعلومات، حفاظا على سمعته وصورته.
وفى تقرير نوفمبر الماضى حول محكوم عليه فى قضية جنائية، وزعم أنه معتقل، لم يكلف من أصدر القرار، نفسه، مراجعة معلوماته، وضمَّن التقرير شائعات ومعلومات مغلوطة تم تفنيدها والرد عليها فى حينها.
مجلس النواب رد بشكل مفصّل، وواضح، على تقرير البرلمان الأوروبى الذى بُنى على حزمة من مُغالطات وادعاءات باطلة، لا تمت للواقع بصلة، وتعكس نظرة متحيزة غير موضوعية إزاء حقيقة الأوضاع فى مصر.
واعتبر مجلس النواب المصرى قرار البرلمان الأوروبى «ضمن سلسلة محاولات البرلمان الأوروبى غير المبررة واليائسة، لادِّعاء امتلاكه سلطات تقييم وتوجيه ومحاسبة من هم خارج حدود أعضائه، دون أدنى وجه حق، ومستخفًا بالمواثيق الدولية كافة، التى تدين أية تدخلات فى الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.
ووصف مجلس النواب قرار البرلمان الأوروبى بأنه «لا يتسم بالمصداقية أو الحيادية، وأنه ولد ميتا، فهو يطالب بالإفراج الفورى عن مواطن مدان فى جريمة سب وقذف ضد مواطنآخر، والاعتداء على موظفين عموميين، وروعى اتخاذ كل الإجراءات القانونية وفق قواعد القانون الجنائى المصرى، ما يجعل القرار انتهاكا لاستقلال السلطة القضائية المصرية، ويكشف عن ازدواجية المعايير، لدى البرلمان الأوروبى، بل يعد تدخلا قبل نظر طعن المذكور فى حكم حبسه 7 أكتوبر».
وقال مجلس النواب، إن البرلمان يتحدث عن الانتخابات، ومضايقة المعارضة، متجاهلا وجود أكثر من مرشح معارض لم يقدموا أى شكاوى، وأن هذا التقرير يعتمد على معلومات تنظيم مُعادٍ يمارس الدعاية المضادة، ويتحالف مع مؤيدى الإرهاب، ويمثل رأس حربة لأجهزة وجهات معادية.
واعتبر مجلس النواب، أن ادعاءات البرلمان الأوروبى تفتقد للموضوعية، وتكشف عن النية المبيتة لإصدار أحكام سلبية مُسبقة عن العملية الانتخابية، بينما الهيئة الوطنية للانتخابات تقف على مسافة واحد من الجميع.
الواقع أن تقرير البرلمان الأوروبى بهذا الشكل السطحى، يشير إلى أنه – أى البرلمان الأوروبى – ربما أصبح خاضعا لسلطة المنظمات المشبوهة من أصدقاء الإرهاب، والذين لم يصدر منهم بيان أو معلومة تدين الإرهاب، بالرغم من أن الإرهاب انتهاك واضح لحق الإنسان فى الحياة، وكان طبيعيا أن يتغافل البرلمان الأوروبى عن حجم ما تحقق فى ملف حقوق الإنسان بمصر، والذى يتضمن تصورا شاملا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والصحة والتمكين والفئات الأولى بالرعاية، فضلا عن تفعيل لجنة العفو الرئاسى التى ساهمت فى إطلاق ما يقرب من ألفين من المحبوسين احتياطيا، وساعدتهم على الاندماج فى المجتمع.
ومع مجلس النواب الذى قدم تفنيدا يكشف عن تورط البرلمان الأوروبى فى التلاعب وإصدار قرار معدوم، «وُلد ميتًا» يمثل تدخلا صارخا فى الشؤون الداخلية لدولة تتمتع بالسيادة، بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه، فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
البرلمان الأوروبى وقع مرة أخرى فى أخطاء تفقده مصداقيته، فى توقيت يضاعف من الغموض حول مواقفه، وعلاقاته بحملات ممنهجة.